شوارع مكة تعج بالهنود الذين من هذا القبيل ، أشد هؤلاء الهنود بؤسا يستجدون المارة ويتوسلون إليهم ، وهم رقود على ظهورهم فى منتصف الشارع ، وهم يحاصرون أبواب المساجد بصورة دائمة ، والبعض منهم يجعلون المقاهى وأسبلة الماء مقاصد لهم ، ولا يستطيع أى أحد من الحجاج ابتياع شىء من التموينات فى الأسواق دون مضايقات من هؤلاء الهنود الذين يطلبون أو يشحذون شيئا من هذه التموينات. شاهدت بعضا منهم والذين يكثر وجودهم فى شمال الهند وبلاد فارس ؛ كان واحد من هؤلاء الشحاذين يضع ذراعه فوق رأسه مباشرة ، وقد ثبته على هذا الوضع منذ فترة من الزمن ، الأمر الذى يتعذر وضعه فى أى موضع آخر غير هذا الموضع ، ومن شدة الفضول الذى استثاره لدىّ ، صدقت أن تلك الشخصيات يندر أن تشق طريقها إلى الحجاز.
الدراويش من مختلف المذاهب والطرق فى سائر أنحاء الإمبراطورية التركية يمكن العثور على البعض منهم بين الحجاج. الكثيرون منهم معتوهون ، أو يتظاهرون بالعته فى أضعف الأحوال ، الأمر الذى يجعل الحجاج يحترمونهم احتراما كبيرا من ناحية ويملأون جيوبهم بالمال من ناحية أخرى. يبلغ سلوك بعض هؤلاء الدراويش من العنف والمكر حدا يجعل الحجاج الميالين إلى فعل الخير يعطونهم شيئا من المال عن طيب خاطر بغية الهرب والفكاك منهم. هؤلاء الدراويش يأتون فى أغلب الأحيان من بلاد أخر ؛ إذ نجد بين العرب أنفسهم قلة قليلة من هؤلاء المجانين ، ولكنهم يقلون بين العرب عنهم فى بلاد الشرق الأخرى. مصر ، بصفة خاصة عامرة بعدد كبير من هؤلاء الدراويش ، بل إن كل قرية من قرى وادى النيل فيها بعض المساليب ، أو إن شئت فقل المجانين ، الذين ينظر السكان إليهم باعتبارهم ملهمين ، وأنهم مباركون من السماء (*).
__________________
(*) فى العام ١٨١٣ الميلادى ، شرفت الأقلية المسيحية فى قوص ، فى الوجه القبلى ، بوجود شاب كان يمشى فى الأسواق عاريا تماما ، ولكن مسلمى هذا البلد ، عند ما ازداد غيظهم من ذلك الشاب ، أمسكوا به فى إحدى الليالى وحولوه إلى ولىّ مسلم عن طريق إجراء الختان له.