الذين يعودون عن طريق الحبشة ، وهم عند ما يغادرون الحجاز تكون بحوزتهم جميعا مبالغ كبيرة ، وفروها عن طريق العمل ، ليشتروا بها بعض الأشياء الصغيرة ، أو يستعينون بها ، فى أضعف الأحوال ، فى إعاشة أنفسهم عند ما يصلون إلى سواكن ، وبذلك تكون رحلة عودتهم أيسر من رحلة الذهاب التى لاقوا فيها مشقة كبيرة ، ثم يواصلون بعد ذلك مسيرهم إلى بلدانهم عن طريق شندى وكردفان. عدد كبير من هؤلاء الزنوج ينتشرون بعد أداء فريضة الحج فى سائر أنحاء الجزيرة العربية ، ويزورون المسجد الأقصى فى القدس ، أو مقام (سيدنا) إبراهيم فى حبرون ، وبذلك يتغيب هؤلاء الزنوج عن أوطانهم سنوات طوال ، يعيشون خلالها على ناتج العمل الذى يؤدونه أو يقومون به.
لقد غاب عن ذهن المحسنين تأسيس مؤسسة تعمل على تسهيل أداء هؤلاء الزنوج الفقراء لفريضة الحج وكذلك الهنود الفقراء ، أو حتى لتسهيل نقل هؤلاء الحجاج الفقراء عبر الخليج الفارسى إلى الحجاز ؛ هذا النقل لا يكلف الفقير سوى دولار واحد أو دولارين يشكلان عبئا ثقيلا على كل فقير من هؤلاء الفقراء من الزنوج أو الهنود. هؤلاء الحجاج الفقراء يصلون إلى موانئ الجانب الإفريقى من الخليج ، بعد أن يكونوا قد أنفقوا ذلك القليل الذى أخذوه معهم من أوطانهم ، أو يكون قد سرق منهم على الطريق أثناء الرحلة ، وعند ما يكتشفون أو يجدون أنفسهم عاجزين عن كسب ما يمكنهم من دفع أجر عبور البحر الأحمر ، يضطرون إلى انتظار عودة رفاقهم الأثرياء من الحجاز ، ليقوموا بدفع أجر العبور بدلا عنهم على سبيل الإحسان.
فقراء الهنود على العكس من ذلك تماما من حيث المظهر والمخبر ؛ وجوه هؤلاء الحجاج الهنود الفقراء توحى ببؤس لا يتصوره عقل ؛ إذ يبدو عليهم الضعف وفقدان الأمل. أجسام هؤلاء الهنود تبدو كأنها لا تقوى على تحمل مجرد لفحة الهواء ، وأصواتهم ضعيفة وخافتة وواهنة ، وهم جديرون بأن يرثى لهم الناس ، اللهم إلا إذا أثبتت الخبرة اليومية أنهم تنشرح صدورهم لظهورهم على هذا الحال ، الذى يضمن لهم الحصول على الصدقات من المحسنين وأهل الخير ، ويكفيهم مؤونة العمل والمشقة.