فى تنظيف الأحواش ، وجلب الحطب من الجبال المجاورة ، وأهل جدة ومكة يعتمدون اعتمادا تاما على هؤلاء التكارنة فى جلب ذلك الحطب ؛ نظرا لأن الفقراء من أهل جدة وأهل مكة لا يقومون بهذا العمل ، على الرغم من أن الواحد منهم قد يحصل على أربعة قروش كل يوم نظير القيام بهذه المهمة. فى مكة يصنع هؤلاء التكارنة مدافئ أو وجارات صغيرة من الطين ، (يسمونها كانون) ويدهنونها باللونين الأصفر والأحمر ، والحجاج يشترون هذه المواقد ، أو بالأحرى الوجارات ، ويستعملونها فى غلى أوانى القهوة ، بعض ثالث من هؤلاء التكارنة يصنع سلالا صغيرة ، وحصيرا من سعف النخيل ، أو يقوم بإعداد وتحضير الشراب المسكر الذى يسمونه البوظة ، وبعض رابع من هؤلاء الزنوج يخدم فى مجال السقاية ، بمعنى أنهم يعملون سقائين وجالبى مياه. خلاصة القول : إنه فى حال الاحتياج إلى العمل اليدوى يجرى جلب تكرونى من السوق للقيام بهذا العمل. هؤلاء التكارنة إذا ما مرض أحدهم سهر رفاقه على رعايته وقسموا مصروفاته فيما بينهم. وأنا لم أر أحدا من هؤلاء التكارنة يستجدى الناس إحسانا ، اللهم إلا باستثناء الأيام الأولى لوصوله ، أى قبل تمكنه من الحصول على العمل. ومن مكة يسافر هؤلاء التكارنة إلى المدينة (المنورة) بطريق البحر من ميناء ينبع ، وفى المدينة المنورة يعمل هؤلاء الناس فى جلب حطب الوقود أيضا. واقع الأمر ، أنهم يمكن أن يقعوا فى حيص بيص إذا لم يتمكنوا من الحصول على خدمات الأعمال المضنية التى يقوم بها هؤلاء الزنوج. وقد استمر هؤلاء التكارنة فى أداء فريضة الحج طوال فترة الغزو الوهابى ، ويقال إن سعود كان يقدر هؤلاء التكارنة تقديرا خاصا (*).
هؤلاء الزنوج يعودون بعد الحج وزيارات مكة إلى جدة ليستأنفوا العمل من جديد ، إلى أن تتهيأ لهم فرصة الإبحار إلى سواكن ؛ نظرا لأن قلة قليلة من هؤلاء الزنوج هم
__________________
(*) يقول المقريزى عن الخلفاء الذين أدوا الحج فى العام ٧٢٤ الهجرى : إن ملكا زنجيا يدعى موسى وصل إلى القاهرة وهو فى طريقه إلى مكة ، واستقبله قلاوون سلطان مصر استقبالا طيبا ، وكان بصحبة ذلك الملك ـ على حد قول المقريزى ـ أربعة عشر ألف أمة منتقاة.