النقود يدفعهم إلى بيع مقتنياتهم الصغيرة الثمينة بأسعار مخفضة وفى مزاد علنى يضطرهم إلى قبول أسعار شديدة التدنى.
الزنوج أو التكارنة ، كما يسميهم الناس هنا ، هم الوحيدون ، من بين كل الحجاج الفقراء الذين يصلون إلى الحجاز ، الذين لهم طابع فى الشحاذة أكثر احتراما فى هذا النوع من الصناعة ؛ هذا يعنى أن أفراد الطبقة الفقيرة من الهنود يتحولون إلى شحاذين عقب نزولهم إلى أرض جدة. كثير من السوريين والمصريين يمتهنون هذه المهنة نفسها ، لكن الزنوج لا ينحون هذا المنحى. وسبق أن قلت فى تقرير من التقارير إن الزنوج ، أو بالأحرى التكارنة يصلون إلى الحجاز عن طريق المرافئ الثلاثة :مصوّع ، وسواكن ، والقصير. هؤلاء الزنوج الذين يأتون عن طريق سنار والحبشة إلى ميناء مصوع ، يكونون كلهم من الفقراء المعدمين. ومبلغ دولار واحد يكفى لنقل هؤلاء المعدمين من مصوّع إلى ساحل اليمن ، وهم غالبا ما ينزلون فى ميناء الحديّدة. وفى الحديدة ينتظر أولئك الزنوج وصول أعداد كبيرة من أبناء جلدتهم ، لكى يشكل الجميع قافلة صغيرة ، ثم يبدءون بعد ذلك فى الصعود إلى جبال اليمن ، الممتدة بطول الوديان الخصبة ، التى يسكنها عرب كرماء ، ويروحون يستجدونهم مصاريف الطريق إلى جدة أو مكة (*). هؤلاء الفقراء المعدمين إذا ما أثرى الواحد منهم وأصبح فى حوزته دولارين ، استطاع أن ينتقل بهما من مصوع إلى جدة مباشرة ، التى يلتقون فيها مع أبناء جلدتهم الذين يكونون قد وصلوا إلى جدة عن طريق كل من سواكن أو القصير. هؤلاء التكارنة يؤجرون أنفسهم فور وصولهم إلى جدة أو مكة ؛ بعض منهم يعمل شيّالا فى نقل البضائع والقمح من السفن إلى المخازن ، وبعض آخر يعمل
__________________
(*) فى العام ١٨١٣ الميلادى ، سلكت جماعة من هؤلاء التكارنة تقدر بحوالى ستين تكرونيا ، هذا الطريق نفسه ، وظن عرب هذه الجبال الذين هم من الوهابيين ، الذين شاهدوا مرارا العبيد السود بين الجنود الأتراك ، ظنوا أن الحجاج السود يعملون لحساب الأتراك ، ومنعا لهذه الجماعة من المرور دون التعرض لها ، أضلوا هؤلاء التكارنة عن طريقهم ، وقتلوا الكثيرين منهم.