هذه الأمة رائعة الجمال كانت من إماء قاضى مكة الذى سبق أن جلبها من إسطنبول. وهنا نجد أن محمد على باشا بعد أن استمع إلى نسائه وهن يمتدحن جمال وقسمات تلك المرأة الجميلة ، أجبر القاضى ـ على غير رغبة منه ـ على تطليق هذه الأمة (المرأة) نظير مبلغ خمسين ألف قرش ، ثم عقد عليها بعد ذلك مباشرة.
أنا لا أستطيع قول أى شىء عن العادات والتقاليد الخاصة بأهل المدينة المنورة ، نظرا لأن اختلاطى بهؤلاء الناس كان جد قليل. ومع ذلك ، يمكننى القول : إن أهل المدينة المنورة ، لا يراعون فى تكريمهم للموتى القواعد السائدة فى سائر أنحاء الشرق ، وأنا على ثقة أن المدينة المنورة هى المدينة الوحيدة التى لا تولول نساؤها أو يصحن إذا ما مات أحد أفراد الأسرة. نستطيع القول بعكس ذلك تماما ؛ هذا يعنى أنه فى أجزاء أخرى من الليفانت ، هناك فئة معينة من النساء اللاتى يجرى جلبهن لمثل هذه المناسبات ، ويتمثل دورهن الوحيد فى العواء والعويل على الميت ، مستخدمات فى ذلك أشد العبارات التى تفطر القلوب ، وذلك نظير مبلغ صغير يدفع لهن بالساعة. المدينة المنورة خلو من هذه الندّابات (على الرغم من اشتهار هؤلاء الندّابات فى أجزاء أخرى من الحجاز) ، يزاد على ذلك أن الناس ينظرون إلى الندب والندّابات باعتبارهما من الأعمال والأشياء المشينة. توفى رب الأسرة فى المنزل الذى كان مجاورا للمنزل الذى أقيم فيه ، وكان المنزلان على اتصال ببعضهما البعض. توفى رب الأسرة هذا عند منتصف الليل ، وراح ولده ينفجر فى البكاء ، بفعل مشاعره الطبيعية ، وسمعت أم هذا الصبى وهى تقول : «بالله عليك لا تصح ؛ يا للعار! ستكشفنا أمام الجيران كلهم» وبعد شىء من الوقت راحت الأم تهدئ ابنها. هناك عادة وطنية أخرى تتعلق بالجنازات : عند ما يخرج النعش من منزل الميت يكون محمولا على أكتاف بعض أقارب المتوفى أو أصدقائه ، فى حين يسير بقية الأفراد والأصدقاء خلف النعش ، لكن عند ما يصل موكب الجنازة إلى الشارع ، نجد أن كل الواقفين أو المنتظرين يسارعون إلى الانضمام إلى موكب الجنازة ، ويبادرون إلى تناوب حمل النعش للحظات قصار ؛