فى مكة ، قد حضرت إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولمقابلة ولدها طوسون باشا ، وأمضت القسم الأكبر من الليل فى التعبد فى المسجد النبوى ، وعند ما عادت إلى المنزل الذى استأجرته لذلك الغرض ، بالقرب من بوابة المسجد النبوى ، زارها ولدها طوسون زيارة قصيرة ، ثم تركها ترتاح ، فى حين أمر هو بإحضار سجادة وفرشها فى منتصف الشارع ونام عليها ، أمام عتبة المنزل الذى تنزل فيه أمه ؛ مدللا بذلك على احترام وتواضع يعد شرفا وتكريما له باعتباره ابنا بارا ، ويعد ذلك تشريفا للأم نفسها لأنها أوحت للابن بمثل هذه المشاعر. زوجة محمد على باشا ، امرأة تحظى باحترام كبير ، وهى خيرة أيضا دونما تظاهر أو تباه. وأنا أرى أن ولدها طوسون هو الوحيد فى الأسرة كلها الذى لديه قلب عامر بالمشاعر الطيبة ، أما بقية أفراد العائلة فهم فاسقون بفعل الرذائل الكثيرة التى ترافق الأعيان من الأتراك ، لكن طوسون كشف فى كثير من الأحيان عن كثير من المشاعر السامية ، بل إن أعداء طوسون لا يمكن أن ينكروا شجاعته ، أو كرمه ، وحبه العائلى ، وطبعه الجميل. وأنا أجدنى هنا آسف لأن قدراته الذهنية والفكرية كانت أقل من قدرات أبيه محمد على ، وأخيه إبراهيم باشا ، لكن طوسون أسمى منهما خلقا وأخلاقا. ظهرت والدة طوسون هنا ، فى المدينة المنورة ، فى أبهة وعظمة ملكة من ملوك الشرق ، ومن خلال تبرعاتها للمسجد ، وعطاياها للناس ، لذا يعدونها ملاكا أرسلته إليهم السماء. لقد أحضرت أم طوسون لولدها هدايا تقدر بحوالى خمسة وعشرين ألف جنيه إسترلينى ، من بينها اثنتى عشرة بدلة كاملة ، بدءا بالشال الكشمير الفاخر وانتهاء بالنعال ، كما أحضرت أيضا عقدا من الماس قيمته خمسة آلاف جنيه إنجليزى ، كما أحضرت أيضا أمتين جورجيتين ، وكان ضمن حاشيتها أيضا أمة جورجية رائعة الجمال ، ورائعة الملامح ، كان محمد على باشا قد تزوجها مؤخرا فى مكة ، لكنها نظرا لعدم إنجابها ، كانت فى منزلة أدنى من منزلة أم طوسون باشا ، التى أنجبت ثلاثة باشوات صغار (*).
__________________
(*) إسماعيل باشا هو الشقيق الأصغر لكل من إبراهيم وطوسون ، ويقال إن إبراهيم باشا لم يكن ولدا من أبناء محمد على ، لكنه تبناه عند ما تزوج أمه ، التى كانت فى ذلك الوقت أرملة لأغا قولة ، فى Hellespont ، المقر الحالى لباشا مصر.