اللاتى يقمن هنا باعتبارهن زوجات ؛ زوجات الزراع ، وزوجات سكان الضواحى ، يخدمن العائلات الحضرية ، من باب أنهن خادمات فى المنازل ، يعملن بصورة أساسية فى طحن القمح فى الطواحين اليدوية ، أو إن شئت فقل : الرحى. نساء المدينة المنورة ، يتصرفن بأدب جم ، ويتمتعن بسمعة الفضيلة الطيبة أكثر من نساء مكة وجدة.
العائلات صاحبة البساتين والحدائق تبالغ مبالغة كبيرة فى احتفائها بأصدقائها ، مرارا فى منازلها الريفية ، التى يجتمع فيها أعضاء العائلات المدعوة كلها رجالا ونساء ، ويقال إن هذه العادة تنتشر على نطاق واسع فى فصل الربيع ، ويقال أيضا : إن أهل المدينة المنورة يتبارون فى ذلك مع بعضهم البعض ، الأمر الذى وصل إلى حد التقول : بأن فلانا وعلانا أكثر أو قلل من جيرانه فى حفلات الاستقبال التى أقامها خلال الموسم. قلة قليلة من العائلات هى التى تمضى العام كله فى بساتينها أو حدائقها ؛ ومن بين هؤلاء أسرة رجل صالح ، كانت تقيم فى بستان جميل يقع فى الجزء الجنوبى من المدينة المنورة. هذا الرجل الصالح شهير جدا بنقائه وطهارته ، إلى حد أن طوسون باشا قبّل يديه فى مرة من المرات. زرت هذا الرجل الصالح ، شأنى فى ذلك شأن الزوار الكثيرين الآخرين ، وقد حدثت تلك الزيارة فى الأيام الأولى عقب وصولى إلى المدينة المنورة ، ووجدت الرجل جالسا فى محراب مجاور للمنزل لا يتحرك منه مطلقا. كان الرجل أكثر أدبا من أى قديس من القديسين الذين شاهدتهم أو التقيتهم فى حياتى ، ولم يكن الرجل ميالا إلى الكلام فى شئون الدنيا. بلغنى أن هذا الرجل كان بحوزته بعض الكتب التاريخية وأنه كان على استعداد لبيعها ، لكنى عند ما تحريت الأمر ، عرفت منه أنه لم يشغل نفسه إلا بالشريعة ، والقرآن ، واللغة العربية. قدم الرجل لى نرجيلة كى أدخن ، كما قدم لى أيضا طبقا من التمر ، الذى يأتيه من بستانه ، وبعد أن وضعت ، عند ما هممت بالانصراف ، دولارا تحت السجادة التى كنت أجلس عليها (فقد قيل لى إن هذا أمر عادى فى مثل هذه الظروف) ، صحبنى الرجل إلى باب البستان ، ورجانى أن أزوره مرة ثانية.