فضلا عن الأوقاف المتعددة ، أو المؤسسات الخيرية ، التى تتبع البلدان والمساجد فى سائر أنحاء الإمبراطورية التركية. الصرّة يساء استعمالها فى الوقت الراهن ، ولا تستخدم إلا فى إطعام مجموعة البشر العاطلين تماما ، فى حين يظل الفقراء على فقرهم المدقع ، فضلا عن عدم تشجيع الصناعة بأى شكل من الأشكال. فيما يتعلق بالافتقار إلى الصناعة نجد أن المدينة المنورة هى الأكثر افتقارا إليها عن مكة. المدينة المنورة بحاجة ماسة إلى الحاجيات الميكانيكية التى لا غنى عنها ، يزاد على ذلك أن القلة القليلة التى تعيش هنا كلها من الأجانب ، وهى تقيم فى المدينة المنورة لآجال محددة. المدينة المنورة كلها ليس فيها سوى منجد واحد ، وعامل مفاتيح واحد ، والنجارون والبناءون شحيحون تماما ، الأمر الذى يضطر الناس إلى إحضار بنائين ونجارين من ينبع إذا ما أرادوا ترميم منزل من المنازل. والمسجد النبوى إذا ما احتاج بعض العمال ، فيجرى إحضارهم من مصر (القاهرة) ، بل ومن إسطنبول فى بعض الأحيان ، وهذا فى ضوء ذلك الذى شاهدته طوال مقامى فى المدينة ، وذلك عند ما جرى إحضار بناء من إسطنبول لإصلاح سقف المبنى. يزاد على ذلك ، أن مصر هى التى تزود المدينة المنورة بكل احتياجاتها بما فى ذلك السلع التافهة أيضا. عند ما كنت فى المدينة المنورة لم يكن بالإمكان عمل جرار الماء التى تصنع من الفخار. منذ سنوات قليلة قام مواطن دمشقى بإنشاء صناعة لإنتاج الأوانى الفخارية التى لا غنى عنها ، لكن هذا الدمشقى ترك المدينة المنورة ، الأمر الذى اضطر سكان المدينة إلى شرب الماء من جرار مكسورة ، خلفها ذلك الدمشقى وراءه ، أو عن طريق جلب تلك الأوانى من مكة بتكاليف كبيرة. لم يكن فى المدينة المنورة صناعة صباغة ، أو مصنوعات صوفية ، أو أنوال نسيج ، أو مدابغ للجلود ، أو أعمال جلدية ، أو مشغولات حديدية من أى نوع كان ، يزاد على ذلك ، أن المسامير وحدوات الخيول يجرى جلبها من كل من مصر وينبع. فى روايتى عن مكة ، عزوت عزوف أهل الحجاز عن الحرف اليدوية إلى كراهيتهم واستيائهم من العمل اليدوى بكل أشكاله ، لكن هذه الملاحظة لا تنطبق على المدينة المنورة ، حيث الناس أكثر جدية ـ على الرغم من تكاسلهم عن إصلاح أراضيهم ـ واستعدادهم للقيام ببعض الحرف والأعمال اليدوية ، دون بذل جهد بدنى أكبر من الجهد