الرغم من عدم وفرتها ، فهى عالية القيمة. أعداد كبيرة من هذا النخيل تنمو نموا بريا فى السهول ، لكن كل نخلة من هذا النخيل لها مالكها الخاص. أحجام هذا النخيل ، بشكل عام ، أصغر من أحجام النخيل المصرى ، التى تتغذى من تربة البلاد الخصبة ، كما تتغذى أيضا بمياه النيل ، لكن ثمار هذا النخيل أحلى بكثير من ثمار النخيل المصرى ، فضلا عن رائحة تمور المدينة المنورة أفضل من مثيلتها المصرية.
أتى كثير من الرحالة على ذكر الأشياء التى تصنع من كل جزء من أجزاء النخلة ؛ هذا يعنى أن النخلة غالية وعزيزة على العربى المستقر ، مثلما الجمل عزيز على البدوى ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم فى واحد من أحاديثه ، يقارن الرجل الفاضل بهذه الشجرة الطيبة. «أنه يقف مرفوع الهامة أمام ربه ؛ يستلهم فى كل حركة من حركاته الوحى الذى يأتيه من أعلى ، ويكرس حياته كلها لرفاهية إخوانه» (*). أهل الحجاز شأنهم شأن المصريين ، يستفيدون من سعف النخيل ، ومن اللحاء الداخلى والخارجى لجذع النخلة ، كما يستفيدون أيضا من المادة الشبيهة باللحم والتى توجد فى المنطقة التى تتصل الجريدة فيها بجذع النخلة ، وهم يستفيدون أيضا من نوى الثمار ، بأن يجعلوه علفا لماشيتهم ، وهم ينقعون نوى التمر مدة يومين فى الماء ، إلى أن يلين بعض الشىء ، ثم يقدمونه بعد ذلك علفا للإبل ، والبقر ، والأغنام بدلا من الشعير ، ويقال إن النوى قيمته الغذائية أكبر من القيمة الغذائية للشعير. هناك محلات فى المدينة المنورة ، لا يباع فيها سوى نوى التمر ، ويجرى استخدام الشحاذين بصفة دائمة فى جمع النوى من الشوارع الرئيسية. وفى منطقة نجد ، يطحن العرب النوى للغرض نفسه ، لكن عملية الطحن هذه لا تجرى فى الحجاز.
هناك أنواع كثيرة من التمور فى المدينة المنورة ، وفى وديانها المثمرة ؛ كل مكان فى المدينة المنورة يتميز بنوع خاص من التمور ، لا ينمو إلا فى هذه المنطقة بالذات. وقد بلغنى أن حوالى مائة صنف من التمور ينمو نخيلها فى المنطقة القريبة من المدينة ،
__________________
(*) راجع أيضا المزمور الأول ، ل «وسوف يكون مثل شجرة مزروعة بجوار أنهار الماء».