لكنه طوال رحلة مقدارها مسير أربعة أيام إلى مكة كان يتعرض للهجوم من جانب بنى الشمر ، تلك القبيلة التى ظلت على الحياد أثناء الحرب التى دارت بين طوسون باشا والوهابيين. وهنا كانت القافلة تعود إلى الدرعية ، ومن خلال وساطة سعود كان يجرى استعادة البضائع التى جرى سلبها ونهبها ، وكان سعود يرسل جماعة من أتباعه لمرافقة القافلة إلى المدينة المقدسة.
كان من عادة عرب العجيل فى بغداد أن يرافقوا القافلة الفارسية. لما كان أفراد القافلة معروفين بأنهم من الشيعة ، فقد كانوا يتعرضون لمصاعب كثيرة على الطريق ؛ فقد كان سعود يجبى منهم ضريبة ثقيلة يطلق عليها اسم ضريبة الرؤوس أو الأعناق ، وكان الشريف غالب فى مكة (المكرمة) يفعل الشىء نفسه ، بل إنها وصلت فى السنوات التى تلت ذلك إلى ثلاثين سكوينا (*) على الرأس الواحدة. معروف أن الحجاج الفارسيين كلهم من الأغنياء ، ولا يعانى أحد من الحجاج ذلك الذى يعانيه هؤلاء الحجاج الفارسيون على طريق الحج. أعداد كبيرة من هؤلاء الحجاج يأتون عن طريق البحر ، وهم يركبون البحر من البصرة إلى المخا ، وإذا ما صادفوا الريح التجارية واصلوا إبحارهم إلى جدة ، وإذا لم تهب عليهم تلك الرياح قسموا أنفسهم على شكل قافلة ويصلون عن طريق البر الممتد بطول ساحل اليمن. فى عام ١٨١٤ م ، عند ما كنت أؤدى فريضة الحج ، كانت تلك القلة القليلة من الحجاج الفارسيين قد وصلت قادمة من بغداد إلى سوريا ، وتبعت القافلة السورية ، وبصحبتهم جمالة بغداديون.
يجدر أن نلاحظ هنا أن الفارسيين لم يكن مسموحا لهم دوما بالمجىء إلى المدينة المقدسة ؛ بحجة أنهم مهرطقين ألداء ، يخفون معتقداتهم أثناء الحج فقط ، وذلك من باب عدم الإساءة إلى السنة. فى عام ١٨٦٤ م ، أى بعد إعادة بناء المسجد الحرام بسنوات قلائل ، أمر السلطان مراد الرابع بعدم السماح للحجاج الشيعة بأداء فريضة
__________________
(*) السّكوين : نقد ذهبى إيطالى وتركى قديم. (المترجم)