عندما كان يريد قرضا ، كان يرسل فى طلب ثلاثة منا أو أربعة ، ونجلس نتحادث معه على امتداد ساعتين ، ويصل الأمر إلى حد العراك بصوت عال ، وكنا ننجح دوما فى تقليل المبلغ إلى ما هو أقل من المطلوب ، وعندما كنا نذهب إلى الشريف فى الأمور العادية كنا نتحدث إليه مثلما أتحدث أنا معك الآن ، أما الباشا فكان يجعلنا نظل وقوفا أمامه بطريقة مهينة ، شأننا فى ذلك شأن العبيد من الأحباش ، وكان ينظر إلينا كما لو كنا مخلوقات أدنى منه». ويخلص التاجر من كلامه قائلا : «أنا أفضل دفع غرامة للشريف بدلا من دفعها للباشا التركى».
معرفة الأتراك الضئيلة للغة العربية ونطقهم السيئ لهذه اللغة ، حتى وهم يقرأون القرآن ، وجهل الأتراك بالجزيرة العربية وعاداتها التى لا يراعونها فى تصرفاتهم وأعمالهم ، تعد من بين الأسباب المتعددة الأخرى لكراهية أهل الجزيرة العربية للأتراك واحتقارهم إياهم. الأتراك يبادلون ذلك الاحتقار باحتقار مماثل وكراهية أكثر ، ومن لا يتكلم لغة الجندى التركى أو يحاكيه فى اللباس يدخل فى عداد الفلاحين ، ذلك المصطلح الذى درج الأتراك على إطلاقه على الفلاحين المصريين ، باعتبارهم مخلوقات فى أحط درجات العبودية والقمع. كراهية الأتراك للعرق العربى أكبر وأشد ، وسبب ذلك أن الأتراك لا يستطيعون الانغماس فى نزعتهم الاستبدادية والبذاءة وسلاطة اللسان مثلما يفعلون فى مصر ، وذلك لقناعة هؤلاء الأتراك بحكم الخبرة والتجربة أن مواطن الجزيرة العربية سوف يضرب إذا ما ضرب. أهل الجزيرة العربية يرمون الأتراك بالخيانة ، فقد ألقوا القبض على الشريف غالب وأرسلوه إلى تركيا بعد أن أعلن استسلامه للباشا ، وبعد أن سمح للجنود الأتراك باحتلال جدة ومكة ، هؤلاء الجنود يقرون ويؤكدون أنه لو لا مساعدة الشريف لما استطاعوا التقدم فى الجزيرة العربية ، ولما أصبح لهم موطئ قدم فيها.
مصطلح «خائن» يطلق على كل الأتراك الذين فى الجزيرة العربية ، فى ظل ما يشتهر به العرب من التباهى بالثقة بالنفس والتفوق ، وقد اكتشفت الطبقات الدنيا من العرب تأكيدا خياليا للاتهام الذى يوجهونه للأتراك ، اكتشفوا ذلك من اللقب