مساكن لزوجاته. ومع ذلك عانى التجار كثيرا من المصاعب ، مثلما كان الحال فى زمن الشريف غالب ، حيث عانوا من الرسوم الجمركية التعسفية ، كما عانوا أيضا من حتمية شرائهم كل أنواع البضائع من الباشا فى كثير من الأحيان ، الباشا الذى كان يشغف ـ عندما يكون فى الحجاز ـ بالتجارة شغفه بأعماله العسكرية ، لكن بعد تقييم مزايا نظام الحكم وعيوبه ، نستطيع القول إن أهل جدة كسبوا الكثير من العثمانيين ، وليس من الغرابة فى شىء القول إن أحدا من العرب ، سواء كان غنيا أو فقيرا ، لم يكن مرتبطا بسادته الجدد أو محبا لهم ، وكان الناس جميعا نادمين على إنهاء حكم الشريف غالب. ولا يمكن عزو هذا كله إلى جماهير الدهماء الذين يوجدون بين رعايا الباب العالى أكثر مما يوجدون بين رعايا أية أمة من الأمم الأوروبية. الحكام العثمانيون أو بالأحرى الباشوات يتغيرون بصورة مستمرة ، وكل واحد منهم يتحول إلى حاكم أعلى ، الأمر الذى يولد الشكوى والكراهية والاستياء بين الناس ، وإذا كان التتابع السريع للحكام (الباشوات) يوحى للناس بأمل سرعة التخلص من المستبد الحاكم ، ويتطلعون لحدوث ذلك بكل الفرح والسرور ، فإنهم يفعلون ذلك من معرفتهم بأن الأشهر الأولى من حكم الباشا الجديد تتسم عادة بالرحمة والعدل.
أهل الجزيرة العربية فخورون بأنفسهم ، وهم أمة ذات روح معنوية عالية ، وهذا القول ينسحب أيضا على سكان المدن ، على الرغم من ذيوع الطابع البدوى الفاسد بين هؤلاء السكان الذين ينتمون إلى ذلك العرف المتفسخ والمنحل. هؤلاء الناس يحتقرون الأمة التى لا تتكلم العربية ، أو التى تختلف سلوكياتها عن سلوكياتهم ، وقد اعتادوا منذ زمن طويل النظر إلى الأتراك باعتبارهم أناسا منحطين ، حيث كانوا يرتجفون رعبا من الشريف كلما كانوا يدخلون الحجاز. يزاد على ذلك أن مراسم البلاط التركى الاحتفائية لم يجر تكييفها لتناسب العادات والأفكار الراسخة عند رعايا محمد على باشا الجدد ، وكان الشريف بكل قوته شبيها بشيخ بدوى كبير ، يخضع لمن يتكلم بجرأة ويستعمل لغة خشنة فى معظم الأحيان. الباشا التركى يجرى التقرب منه بأبشع أشكال العبودية والذلة ، قال أحد تجار الحجاز وهو يتكلم معى : «إن الشريف غالب