الفرات ، فريضه يعرف بسويقة عبد الوهاب ، وقصره هناك قد خرب.
وبلغني أن السويقة أيضا قد خربت وأقطع العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (١) الجزيرة التي بين الصراتين فجعلها العباس بستانا ومزروعا ، وهي العباسية المذكورة المشهورة التي لا تنقطع غلّاتها في صيف ، ولا شتاء ، ولا في وقت من الأوقات.
واستقطع العباس لنفسه لما جعل الجزيرة بستانا في الجانب الشرقي وفي آخر العباسية تجتمع الصراتان والرحا العظمى التي يقال لها رحا البطريق (٢) ، وكانت مائة
__________________
ـ بينها وبين بغداد فرسخ ، ويسقي ضياع بادوريا ، ويتفرّع منها أنهار إلى أن يصل إلى بغداد فيمرّ بقنطرة العباس ، ثم قنطرة الصبيبات ، ثم القنطرة الجديدة ، ويصب في دجلة ، ويقال : إن بني ساسان هم الذين حفروا الصراة العظمى بعدما أبادوا النبط قرب مدينة المنصور (بغداد).(معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٥٣).
(١) العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، أبو الفضل الهاشمي ، أمير ولد سنة ١٢١ ه / ٧٣٩ م ، هو أخو المنصور والسفاح ، ولاه المنصور دمشق ، وبلاد الشام كلها ، وولي إمارة الجزيرة في أيام الرشيد. وأرسله المنصور لغزو الروم في ستين ألفا.
وحج بالناس مرات عديدة ، مات في بغداد سنة ١٨٦ ه / ٨٠٢ م ، كان أجود الناس رأيا ، وإليه تنسب العباسية وهي محلة بالجانب الغربي من بغداد ، دفن فيها. كان الرشيد يجلّه ويحبّه ، ويزعم أهله أن الرشيد سمّه.
(٢) رحا البطريق : الرحا : هي التي يطحنها فيها ، وهي ببغداد على الصراة ، قيل : إنها أحسن موضع ، الدور من تحتها والسوق من فوقها ، وفيها ماء غزير حاد الجرية ، نسبت هذه الرحا إلى البطريق برواية الفضل : أنه لما أفضت الخلافة إلى المهدي ، قدم عليه بطريق كان قد أنفذه ملك الروم مهنئا له فأوصلناه إليه وقرّبناه منه ، فقال المهدي للربيع : قل له يتكلم ، فقال الربيع : ذلك للترجمان ، فقال البطريق : هو بريّ من دينه وإلا فهو حنيف مسلم إن كان قدم لدينار أو لدرهم ولا لغرض من أغراض الدنيا ، ولا كان قدومه إلا شوقا إلى وجه الخليفة ، وذلك أنّا نجد في كتبنا أن الثالث من آل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يملأها عدلا كما ملئت جورا فجئنا اشتياقا إليه ، فقال الربيع للترجمان : تقول له قد سرني ما قلت ووقع مني بحيث أحببت ، ولك الكرامة ما أقمت والحباء إذا شخصت ، وبلادنا هذه بلاد ريف وطيب فأقم بها ما طابت لك ، ثم بعد ذلك فالإذن إليك ، وأمر الربيع بإنزاله وإكرامه ، فأقام أشهرا ، ثم خرج يوما يتنزّه ببراثا وما يليها ، فلما انصرف اجتاز إلى الصراة ، فلما نظر إلى مكان الأرحاء ، وقف ساعة يتأمله ، فقال له الموكلون به ، قد أبطأت فإن كان لك حاجة فأعلمنا إياها ، فقال : شيء فكرت فيه ، فانصرف ، فلما كان العشي راح إلى الربيع ، وقال له : أقرضني خمسمائة ألف درهم ، قال : وما تصنع بها؟ قال : أبني لأمير المؤمنين مستغلا يؤدي في السنة خمسمائة ألف درهم ، فقال له الربيع : لو سألتني أن أهبها لغلامك ما خرجت إلا وهي معه ، ولكن هذا أمر ـ