فدخل عليه الربيع يوما والفضل يمشي خلفه ، فأخذ الربيع بيده وقال : إن الحاجب لا يمشي خلف إنسان ، فقال له المنصور : بلى يا ربيع هذا معك أنت وحدك.
قال : ولما قلد أبو جعفر الربيع العرض عليه حسن مذهبه ، وآثر الخيرية حتى عرف بذلك ، فكان أبو جعفر إذا أراد لانسان حيزا أمر بتسليمه إلى الربيع ، وإذا أراد شرا أمر بتسليمه إلى المسيب فكتب العامل بفلسطين يذكر أن بعض أهلها وثب عليه ، واستغوى جماعة منهم فعاث في العمل فكتب إليه أبو جعفر : دمك مرتهن إن لم توجه به فصمد له العامل فأخذه ووجه به فلما مثل بين يدي أبي جعفر قال : أنت المتوثب على عامل أمير المؤمنين لأنثرن من لحمك أكثر مما تبقى على عظمك ، فقال وكان شيخا كبيرا بصوت ضئيل :
أتروض عرسك بعدما كبرت |
|
ومن العناء رياضة الهرم |
فقال يا ربيع : ما يقول؟ قال : يقول :
العبد عبدكم والمال مالكم |
|
فهل عذابك عني اليوم مصروف |
فقال أبو جعفر : يا ربيع قد عفوت عنه فخل سبيله واحتفظ به وأحسن إليه.
قال : وهذا الشعر لعبد بني الحسحاس ، كان مولاه اتهمه بابنته فعزم على قتله فقال هذا الشعر وأوله : (٥٠ ـ ظ).
أمن سمّية دمع العين مذروف |
|
لو أن ذامنك قبل اليوم معروف |
كأنها حين تبكى ما تكلمني |
|
ظبي بعلباء ساجي (١) الطرف مطروف |
لا تبك عينك إن الدهر ذو غير |
|
فيه يفرّق ذو ألف ومألوف |
العبد عبدكم والمال مالكم فهل |
|
عذابك عني اليوم مصروف (٢) |
قال : ولما استوزر المنصور الربيع ترك أن يسأله حاجة تخفيفا فقال له المنصور يوما : قد انقبضت عن مساءلتي حوائجك حتى أوحشتني ، فقال : ما تركت ذاك أني وجدت لها غير أمير المؤمنين ولكني ملت الى التخفيف ، قال : فاعرض عليّ
__________________
(١) في ديوان سحيم «بعسفان» والساجي : الساكن.
(٢) ديوان سحيم عبد بني الحسحاس ـ ط القاهرة : ١٩٥ : ٦٢ ـ ٦٣ مع فوارق كبيرة.