الحلبيون كلهم على مراتبهم ومدّ الخوان ، ولم يزل السلطان يبسط العماد ويؤانسه ويشغل الوقت بالأخبار المصرية والغزوات وغيرها ، والعماد ملازم للصمت والتثاقل حتى حضر سليمان بن جندر بحكم التحجب عن السلطان ، وخدم عماد الدين وقدم بين يديه ما حمل من الخزانة الناصرية في عشرين بوقجة : مائة ثوب وسكين بنصاب ناب ، وأصناف الثياب أطلس ورومي ، وخوارزمي وأنطالي وخطاي ، وسقلاطون وعتابي ، وغير ذلك ، وقدم له الملك العزيز عثمان تسعة أثواب خونجي ومشجر وآمدى وسكين ومنديل ، وقدم له الملك الظاهر غازي مثل ذلك ، وقدم له من اصطبل السلطان عشرة أرس (١) خيلا عرابا ، وخمس حجور ، وخمسة أحصنة ، وقدم له الملك العزيز عثمان ثلاثة أحصنة ، والملك الظاهر مثل ذلك ، ونهض عماد الدين وخدم وانفصل ، وسار على حاله الى منزل يعرف بقراحصار وهو على نحو فرسخين من حلب في جهة المشرق ، ويقال قراحصا.
أخبرنا القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم قال : رحل عز الدين ـ يعني ـ مسعود بن مودود من قلعة حلب في سادس عشر شوال ـ يعني ـ من سنة سبع وسبعين وخمسمائة طالبا للرقة وسار حتى أتى الرقة (٢١٩ ـ و) ولقيه أخوه عماد الدين عن قرار بينهما واستقر مقايضه حلب بسنجار ، وحلف عز الدين لأخيه عماد الدين على ذلك في حادي عشرين شوال ، وسار من جانب عماد الدين من تسلم حلب ، ومن جانب عز الدين من تسلم سنجار.
وفي ثالث عشر المحرم سنة ثمان وسبعين صعد عماد الدين الى قلعة حلب.
وقال : وسار ـ يعني ـ السلطان الملك الناصر طالبا حلب ، فنزل عليها في سادس عشرين محرم سنة تسع وسبعين وخمسمائة. وكان أول نزوله بالميدان الأخضر ، وسيّر المقاتلة يقاتلون ويباسطون عسكر حلب ببانقوسا ، وباب الجنان غدوة وعشية ، ولما نزل على حلب استدعى العساكر من الجوانب ، واجتمع خلق عظيم ، وقاتلها قتالا شديدا ، وتحقق عماد الدين أنه ليس له به قبل ، وكان قد ضرس
__________________
(١) كذا بالاصل ، بدلا من رؤوس ، ونسبت الاقمشة المهداة الى مصدر صنعها.