البعلبكي صاحب منبج الى عمي ، وقال له : من تحت القلعة يا أمير علي ايش بقى يخلصك من أتابك؟ فقال له : يا عاقل يخلصني الذي خلصك من جب خرتبرت (١) ، فذبح أتابك في تلك الليلة ، وكان حسان قد قبض عليه بلك بن بهرام بن أرتق ، وطلب منه أن يسلم إليه منبج فلم يفعل ، فسيره الى خرتبرت وحبسه في جب بها وحاصر منبج ، فجاءه سهم فقتله عليها وخلص حسان وعاد الى منبج.
وقال لي بدران : ومن عجيب ما اتفق في حصار القلعة ما حكاه لي جماعة من عبيدنا وشيوخ أصحابنا أن أتابك زنكي لما قصد القلعة وحاصرها ، وبها عمي عليّ أقام مضايقا لها حتى عدموا الماء فبذل عمي ثلاثين ألف دينار ليرحل عنها فأجابه الى ذلك ، ونزل رسول عمي اليه وقد جمع الذهب حتى قلع الحلق من آذان عماتي أخواته على ما حكى لي المشايخ.
قال : فلما نزل الرسول إليه قال لبعض خواصه : امض بفرسه وقدّمه الى قدر اليخني فإن شرب منه فأعلمني ، قال : فمضى به (٢١٤ ـ ظ) الى قدر اليخنى وجعل مرقة اليخنى بين يديه فشربها الفرس فأخبره بذلك ، فقال ان الماء عندهم قليل جدا ، فقال للرسول : ارجع اليهم فلا سبيل الى الصلح إلّا على القلعة ، فقال له الرسول : لا تفعل ، فقال : قد فعلت وأنتم فما بقي عندكم ماء يكفيكم ، قال : فصعد الرسول الى القلعة وأخبر عمي بذلك فأسقط في يده ، قال : وكان في القلعة بقرة وحش ، وقد أجهدها العطش فصعدت في درجة المئذنة حتى علت عليها ورفعت رأسها الى السماء وصاحت صيحة عظيمة ملأت الوادي ، قال : فأرسل الله سبحانه سحابة ظللت القلعة وأمطروا حتى رووا ، ولما كان عشية ذلك اليوم باتوا تلك الليلة فقتل أتابك في جوف الليل وفرّج الله عنهم.
قلت : وكان القاضي أبو مسلم قاضي الرقة هو الذي خرج من الرقة مع جماعة من أهلها ، وتولى تجهيز زنكي ونقله الى الرقة ودفنه ، فكان ثوابه من نور الدين محمود بن زنكي أن وقف عليه وعلى ذريته من بعده قرية عامرة ببلد حلب.
__________________
(١) يعرف أيضا باسم حصن زياد في أقصى ديار بكر بينه وبين ملطية مسيرة يومين وبينهما الفرات. معجم البلدان.