والرقة وحران وسروج وحلب وأعمال ذلك كله ، وخاطبني بالقاضي السديد العالم ، بحر العلماء ، عين القضاة في مكاتبته إلي ، فأحسن الله له عني الجزاء.
وكان يكرم العلماء على اختلاف مذاهبهم ، وله فضل وكرم وبصيرة بالرجال ، قريب من القلوب ، لا يتشاغل إلا بتلاوة القرآن وسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومناظرة الفقهاء بين يديه ، وتقدم في زمانه من لم يكن متقدما من الرجال ، وتأخر من كان متقدما ، واسترجع الممالك كلها ، وقبضها الى السلطان.
وهو أول من أقطع البلاد والضياع للعساكر والأجناد ، وكان يرعى لأهل البيوتات بيوتهم وللعلماء علمهم ، وللشعراء شعرهم ، وللأدباء أدبهم ، وللأشراف شرفهم. وكان أمر الدولة في الزيادة الى أن شاركه في الرأي غيره ، وداخل السلطان سواه ، فهلكت الدولة ، ولم يبق للسلطان بعده إلا نيف وثلاثون يوما رضي الله عنه.
ذكر أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمذاني في كتاب عنوان السير في محاسن أهل البدو والحضر وقال : نظام الملك ، أبو علي الحسن بن علي بن اسحاق الطوسي ، وزر للسلطان ألب أرسلان ، ولولده السلطان ملك شاه تسعا وعشرين سنة (٣٠٠ ـ ظ) وقتل بالقرب من نهاوند في الليلة الحادية عشرة من شهر رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، وعمره ست وسبعون سنة وعشرة أشهر ، وتسعة عشر يوما ، اغتاله أحد الباطنية وقد فرغ من فطوره ، وقيل إن السلطان ملك شاه ولف عليه من قتله لأنه سئم طول عمره ، ومات بعده بشهر وخمسة أيام.
وتقدم نظام الملك في الدنيا التقدم العظيم ، وأفضل على الخلق الافضال الكثير ، وعم الناس بمعروفه ، وبنى المدارس لاصحاب الشافعي ، ووقف عليهم الوقوف ، وزاد في الحلم والدين على من تقدمه من الوزراء ، ولم يبلغ أحد منهم منزلته في جميع أموره ، وعبر جيجون فوقع على العامل بأنطاكية ما يصرف الى الملاحين ، وملك