ان اريحك مما أنت فيه من هذا الكدّ والتعب والنصب مع الشيخوخة وكبر السن؟ فظن الشوكي أنه يعطيه ما يكفه به عن ذاك ويعينه ، فقال : أي والله يا مولاي ، فرماه بنشابة قتلته مكانه.
وهذا صدر من ألب أرسلان في حال الصبوة والجهل ، وحمله عليه سكر الشباب ، أما في حالة اكتهاله واستقراره في الملك ، فكان من أعدل الملوك وأحسنهم سيرة وأرغبهم في الجهاد ونصرة الدين.
قرأت في منتخب من كتاب زبدة التواريخ للامير أبي الحسن علي بن الشهيد أبي الفوارس ناصر بن الحسيني قال : لما استبد السلطان ألب أرسلان بالامر ، واستوى على سرير الملك بسط على الرعايا جناح العدل ومدّ عليهم ظل الرأفة والبذل ، وقنع من الرعايا بالخراج الأصلي في نوبتين من كل سنة ، وكان يتصدق في كل سنة في شهر رمضان بأربعة آلاف دينار ببلخ ، وألف بمرو ، وألف بهراة ، وألف بنيسابور ، ويتصدق بعشرة آلاف في حضرته.
وكتب السعاة اليه سعاية بنظام الملك ، وتعرفا بمكاسبه ، ووضعوه على طرف مصلاه ، فدعا السلطان نظام الملك وقال له : خذ هذا الكتاب فان صدقوا فيما كتبوه فهذب أخلاقك ، وأصلح أحوالك ، وان كذبوا فاغفر للجارم ، وأشغل الساعي بمهم من مهمات الديوان حتى يعرض عن الكذب والبهتان (١).
قرأت بخط أبي غالب (٢٨٦ ـ و) بن الحصين : في شهر رمضان ـ يعني من سنة ست وخمسين وأربعمائة ـ وصل ركابي من تبريز بكتاب من نظام الملك يخبر ان السلطان ألب أرسلان أوغل في الغزاة ببلاد الخزر ، وبلغ حيث لم يبلغ أحد من الملوك وافتتح بلدا عظيما يسمى أسد شهر ، وقتل نحو ثلاثين ألف رجل ، وسبى ما يوفى على خمسين ألف مملوك ، وهادن ملك الأبخاز ، وعاد من ذلك الثغر ، ونزل على مدينة آني من بلاد الروم ففتحها عنوة وهي مدينة عظيمة تشتمل على سبعمائة ألف دار ، واسر منه خمسمائة ألف إنسان.
__________________
(١) طبع في لاهور سنة ١٩٣٣ باسم اخبار الدولة السلجوقية : ٢٩ ـ ٣٠.