ووقف السلطان عن قتاله انتظارا لوقت الصلاة والدعاء على منابر الاسلام ، وترقبا للاجابة في نصرة المسلمين ، فلما صلى الظهر ناجزهم الحرب فأظفره الله تعالى بعسكر الروم ، وأجراه على جميل العادة في الظفر ، ومكنه ممن بغى وكفر ، ونهب العسكر بأسره ، وأسر متملك الروم ، وأقامه بين يديه ومعه باز وكلب صيد ، ثم أنعم عليه ، وخلع وأكرمه ، واصطنعه وسيره مع قطعة من عسكره ليعده الى بلاده ومملكته ، فاختلت الأمور عليه ، ولم يتم له ما أراد ، وذكر أنه كحل ومات بعد مدة.
ولم يجر في الاسلام منذ ظهر مثل هذا الظفر ، ولا أسر للروم متملك قبل هذا في الاسلام ، وكان السلطان سأل متملك الروم عند حضوره بين يديه ما سبب خروجه وتعريضه نفسه وعسكره لهذا السبب ، فذكر أنه لم يرد إلا حلب ، إذ كان كلما جرى على الروم كان محمود هو السبب فيه ، والباعث عليه لمن قصدها من الترك.
وغنم من هذا العسكر ما يفوت الاحصاء والعد ، وتجاوز الامد والحد ، وبيع من غنائمه ما يساوي مائة دينار بدينار واحد ، فلله الحمد على ذلك كثيرا.
قلت : ومن ذلك اليوم عرف تل السلطان بتل السلطان لنزول ألب أرسلان على التل (٢٨٢ ـ و) وكان يعرف المكان أولا بالفيدق ، وكان فيه فندق صغير يأوي اليه الناس ، شاهدته قبل أن يجدد الامير سيف الدين علي بن سلمان بن جندر هذا الخان الذي هو الآن موجود.
قرأت بخط أبي الحسن بن مرشد بن علي بن منقذ في تاريخه : في سنة ثلاث وستين وأربعمائة ، في ذكر العادل ألب أرسلان وحصاره حلب قال : حدث الامير طغتكين صاحب دمشق أبي قال : كنت حامل وراء السلطان حين ضربه حجر المنجنيق ، ولو سلم ساعة لأخذها ، وكان قد وصل الشام يريد الطلوع الى مصر ليفتحها ، ولو طلع لاخذ البلاد جميعها ، وأخذ مصر.
قال : وحدثني مولاي أبي قال : كانت خيامه من شمالي مسجد مرج دابق