الى الروم ، وراسل السلطان أمراء بني كلاب وأحضرهم من البرية ، فوصلوا إليه ، وعزم على تقليد بعضهم وتركه في مقابلة محمود ، وعوده لأجل ما بلغه من ظهور متملك الروم ووصوله في الخلق العظيم الى بلاد أرمينية طالبا لبلاد خراسان ، فشعر محمود بوصول أمراء العرب ، وأنه إن تم ذلك خرج الشام من يده ، فراسل السليماني (١) المتردد اليه ، كان في المراسلة ، يعلمه أنه قد عزم على وطء بساطه وخدمته خوفا مما أشرف (٢٨١ ـ و) عليه ، وخرج الى السلطان على غفلة منه في أول شعبان من السنة ، فرأى منه من الاكرام والتشريف والخلع ما زاد على أمنيته ، وفي الحال رده الى حلب ، وقال : ارجع الى والدتك ، وكانت والدته المعروفة بالسيدة علوية بنت وثاب قد خرجت إليه برسالة ابنها عند كونه بالرّها وتردد خروج محمود دفعة بعد أخرى ، وقرر معه السلطان أن يخرج بعساكره ويضيف إليه السليماني ، وأن يتوجها الى بلاد دمشق والاعمال المصرية ليفتحها ، ففعل ما أمر به.
وحكى الأمير أبو الحسن علي بن منقذ أن خواجا بزرك (٢) الوزير سأله عند حضوره عند وقت خروج محمود إليه عمن قتل بحلب يوم الحرب ، فقال : إنهم نفر يسير ، فتعجب من ذلك ، وقال : في ذلك اليوم رمي من الخزانة بثمانين ألف نشاب ، سوى ما رماه بقية العسكر ، ودفع الله عن أهل الشام ، ولم يقاتل فيه مدينة ولا حصن ولا سبيت حرمة ، ولا اعترض لأحد من المسلمين وذلك من حسن سيرة هذا السلطان ، وعظم هيبته ، تغمده الله بالغفران.
وعاد السلطان منكفئا الى بلاده على طريق العراق ، معرجا منه نحو بلاد أرمينية قاصدا لمتملك الروم ، وأسرع في سيره بمن خف معه ، ووصل فالتقى متملك الروم بالقرب من خلاط (٣) وتلك البلاد ، فاعتبر من وصل معه من عسكره ، فكانت (٢٨١ ـ ظ) عدتهم ثلاثة عشر ألفا ، وتصاف العسكران في يوم الجمعة ،
__________________
(١) ايتكين السليماني ، وكان من حاشية السلطان ، سبق له الوصول الى حلب رسولا أكثر من مرة. مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية : ١٤٤.
(٢) الوزير نظام الملك. سترد ترجمته فيمن اسمه الحسن.
(٣) ما تزال تحمل هذا الاسم في تركيا على مقربة من بحيرة وان.