الأمراء والملوك ، وأمرني بإعادة الحديث ، فأعدته ، فحمد الله هو وجماعة من حضر عنده حمدا كثيرا.
ونزل السلطان المعظم نقرة بني أسد الى أرض قنسرين الى الفنيدق ، والرسل مترددة الى محمود ليخرج الى الخدمة ، وهو خائف منه ممتنع عليه ، وتمادى الأمر نحو شهرين ، وحصن محمود حلب ، وجفل الناس من سائر الشام إليها ، ودخل الرعب في قلوب الناس لعظم هيبته وبأسه ونجدته وما اجتمع إليه من العساكر الجمة والجيوش الكثيفة الضخمة ، وكان الأمر بخلاف ما ظن الناس من ذلك الخوف ، وأنه رحمه الله لما يئس من خروج محمود إليه عاد منكفئا من منزل يعرف بالفنيدق ، ونزل حلب في آخر جمادى الآخرة من السنة ، وكانت الخيام والعساكر من حلب ، الى نقرة بني أسد الى عزاز ، الى الأثارب ، متقاربة بعضها من بعض ، وبعض العساكر ببلد لروم وسائر مروج الشام.
وسار بعض (٢٨٠ ـ ظ) عساكره مع ابن جابر بن سقلاب الموصلي أحد الكتاب الى طرابلس لتقرير أمرها.
وأقام محاصرا لحلب شهرا واحدا ويومين ، ولم يقاتلها غير يوم واحد ، فحدثني من كان مع محمود صاحب حلب وهو يطوف داخل السور لتحريض الناس على القتال في وقت الزحف ، انه لم يعبر محلة من محال حلب إلا وأهلها قد أشرفوا على الهجم عليهم ، ونقب البرج المعروف ببرج الغنم ، وهو أحصن برج بها ، وعلق (١) فظفر أهل حلب بمن دخل ذلك النقب ، فأخذوا بعضهم ووقع الردم على الباقين ، وحمل السلطان في ذلك اليوم ، فوقعت يد فرسه في خسف كان هناك ، وأصاب في الحال رأس فرسه حجر المنجنيق فركب غيرها وعاد وصرف الناس عن الحرب بعد أن أشرف البلد على الأخذ.
وذكر عن هذا السلطان أنه قال : أخشى أن أفتح هذا الثغر بالسيف فيصير
__________________
(١) جرت العادة بالحفر أسفل البرج المراد هدمه ، وفي تلك الاثناء يجرى انتزاع الاحجار ووضع عوارض خشبية محلها ، وعند ما تنتهي عملية اللغم هذه توضع النار (تعلق) في الاخشاب ، ويؤدي احتراقها الى انهيار البرج.