وفي أيامه أغمدت سيوف الفتنة بخراسان ، وبطل ما كان عليه الترك من الفساد والعبث قبل استقرار المملكة ، وفتح البلاد ، وعظمت هيبته (٢٧٩ ـ ظ) واستقامت مملكته ، وانتشر عدله ودعوته.
وكان سبب ظهوره الى الشام ما حدثني به الفقيه أبو جعفر محمد بن أحمد ابن البخاري رسول ناصر الدولة بن حمدان ، المتغلب على مصر إليه ، يستدعي عساكره ليسلم ديار مصر ، ويغير الدعوة ، وذلك لما كان بينه وبين جماعة من الأمراء بمصر ، منهم يلدكوز العجمي وغيره بمصر ، وأمير الجيوش بدر الجمالي بالشام ، وكانت المراسلة في سنة اثنتين وستين على يد الفقيه المذكور ، فحين ورد عليه الى خراسان ، جهز العساكر التي تملأ الفضاء وتضيق بها الدهناء ، عدّة وعدة ، ووصل من بلاده على طريق ديار بكر ، ونزل الرّها في أول سنة ثلاث وستين ، وأقام عليها نيفا وثلاثين يوما ، وسير الفقيه المذكور رسولا الى محمود بن نصر بن صالح صاحب حلب يستدعيه الى وطء بساطه وخدمته أسوة بمن وفد عليه من الملوك ، مثل شرف الدولة مسلم بن قريش ، وابن مروان ، وابن وثاب ، وابن مزيد (١) ، وأمراء الترك والديلم ، فلم يفعل ، وخاف منه.
فسار عن الرّها الى الشام قاصدا له ، وقطع الفرات في النصف من شهر ربيع الآخر من السنة ، وهو اليوم التاسع عشر من كانون الثاني ، وكان قد راسله السلطان في سنة اثنتين وستين يأمره باقامة الدعوة العباسية ، والمسارعة الى الخدمة ، وأنفذ له خلعا وتشريفا ، فامتثل أمره من إقامة الدعوة للامام القائم بأمر الله أمير المؤمنين ، والسلطان المعظم بعده ، ولبس الخطيب السواد ، وبطلت الدعوة (٢٨٠ ـ و) المصرية من الشام في شوال من سنة اثنتين وستين.
ولما قطع السلطان المعظم الفرات من نهر الجوز نزل بعض المروج على الفرات ، فرآه حسنا ، فأعجب به ، فقال له الفقيه أبو جعفر : يا مولانا احمد الله تعالى على ما أنعم به عليك ، فقال : وما هذه النعمة؟ فقال : هذا النهر لم يقطعه قط تركي إلا مملوك وأنتم اليوم قد قطعتموه ملوك ، قال : فلعهدي به وقد أحضر جماعة من
__________________
(١) مسلم بن قريش العقيلي أمير الموصل. وابن مروان صاحب ميافارقين ، وابن وثاب النميري صاحب منطقة حران ، وابن مزيد الاسدي صاحب الحلة.