أكتم عليك ، قالت : قل يا انسان فو الله لا تقول شيئا بعد ما رأيتنا الا ويكون عندي كقول الشاعر :
جعلت فؤادي مقرا لسرارة |
|
فما أن له طول الزمان ظهور |
كذا الميت لا يرجو الخروج ولا |
|
اللقاء ولا النشر إلّا أن يكون نشور |
قلت : جزاك الله خيرا ، إعلمي أن هذه الصيقل حبتي ، وقد أتيت الليلة أريد أخنسها (١) فأريد أن تتوصلي اليها وتقولين لها : ان الأعسر بوادي الاراك ومعه دابته الحنفاء ، وموعدك الشجرات فاخرجي ، قالت : وكرامة ومضت وأتيت أنا الوادي فعقلت فرسي وأنفقت (٢) بالرجل فقال : ممن أنت؟ فأعلمته (٢٥٨ ـ ظ) أني قد رأيتهما وقلت : حدثني حديثك ، قال : أعلم أن هذه ابنة عمي وان أسد ـ لعنه الله ـ أغار علينا ، ونحن من بني كنانة فأخذ نسوان جماعة استعبدهم منهن ابنة عمي ، وكنت أجد بها وجدا عظيما ، فلما فقدتها ضاقت علي الأرض بما رحبت ، ولم أزل أتوصل حتى خدمت أخاه خفافا في غنمه ، فكنا نجتمع في كل ليلة ، فلما قتل خفاف صرت معه وقد رضيت منها بهذا ، ولا أقدر أخنسها لئلا يتبعنا ويأخذ وله عيون ومراصد ، فقد قنعت بهذا ، وبكى فرحمته ، وأنا أحدثه اذ زعق أفزعني فنظرت فاذا أفعى عظيم أسود سالخ قد لدغه ، فاضطرب ساعة وخمد فأصابني والله أمر عظيم ، ووقفت بصف الطريق أتنظر النصيرة ، واذا بها قد أقبلت فقالت : سوف أخرج ، وهي والله فرحانة بذلك ، فعرفتها أمر حبيبها المسكين ، فبكت بكاء عظيما ، وغشي عليها دفعات وأفاقت فتركتني ومضت الى الحي ، ثم ركبت فرسي وقد مضت الكواكب ، وبدت كواكب السحر تتحدر ، واذا بصوت الحديد وخشخشته ، واذا بها قد أقبلت في نسوان جماعة فلما وقفت بي ، علمت موضعي فقالت : بالله يا أخوات قفن غير صاغرات حتى أقضي حاجة ، قلن والله لئن جاء وعلم باخراجك ليقتلنا ، قالت لهن : وأين خرج؟ قلن خرج الى ابن عم له عليه مال يريد قبضه ولعله يغيب يومه أو يوما وليلة ، فقالت لهن : فلست أتأخر ، قلن : فامضي فدخلت إليّ فقالت :
__________________
(١) خنس : قبض ، أخفى. القاموس.
(٢) أي قصدت الرجل وأمسكت به ، اللسان.