فك قيدي ، فتمطيت في قيودها فقطعتها وأركبتها الحنفاء (٢٥٩ ـ و) وأنا أسير خلفها عريان إلّا سراويل عليّ شاهرا سيفي وأبطت عن النسوان فنذروا بنا فتزاعقوا وتصارخوا ، وقام أهل الحي فركبوا خيولهم ، فبين مسرج وملجم ومزعج ومرهج فامتد خلفنا ثلاثمائة عنان بين أيديهم العبيد بالحجارة يرمونا ، وأنا أعدو فكلما علمت أنهم قد قاربوني أتقدم اليهم فأقتل واحدا واثنين وأعطي رجلي الريح ، فقطعتهم على ذلك فرسخين ، ثم صحت بها خذي عرضا فانك على غلط ، فأخذت عرضا وسرنا وهم خلفنا فصرنا قريبا من الحلة ، واذا صوت حوافر ، فلم نشعر إلّا وقد طلع أسد في مائتي رجل من قومه شاكين في السلاح ، عليهم السكينة والوقار ، فلما سمعوا الزعقات أمسكوا أعنتهم وحبسوها ، وأحجموا ساعة حتى عرفوا أصحابهم ، وفطنت أنا بذلك فصحت بها الحقي بأهلك فأنت قريبة منهم ، فأطلقت للفرس عنانه فمر كالريح الهبوب ، أو كالماء السكوب حتى دخلت الحلة ، واجتمع عليّ الفيلقان وداروا بي كالإكليل ، ولما دخلت الصيقل الحي أنذرت أهلها فركبوا على كل صعب وذلول ، واستنجدوا ببني تميم أحلافهم ، وساروا نحوي فلحقوا بي ، فقاتلوا عني حتى خلصوني وفيّ ضربة مثخنة في كتفي ، وأنا أقاتل فساعدني القوم فقتلنا منهم مقتلة عظيمة ، وأسرنا أسدا وانهزم الباقون ، وأخذته أقوده الى الحي ، فلما أدخل وقعت البشارة وفرحوا فرحا تاما ، فأقام (٢٥٩ ـ ظ) محبوسا ثلاثة أيام ونفذ بنو قشير يسألوني أن أخلص أسد فقلت : لا أفعل أو يدفعون الى طرادا ومائة ناقة حمرا بحلالها قالوا : لا ولكن ندفع اليك طرادا ، قلت : لا إلّا ومائة ناقة ، فلما رأوا مني التصعب أنفذوا الي طرادا ومائة ناقة فسرحت أسدا ، ووقع الفرح في الحي وتشكر لي سائر أهل الحي وأقمت عشرة أيام وأنفذت الى طراد أسأله التزويج فكلمها ، فأبت فعاودها دفعات فأبت فكتبت إليها بشعر هذا وأومأ الى أبي الطيب المتنبي (١).
أرى ذلك القرب صار إزورارا |
|
وصار طويل السلام اختصارا |
تركتني اليوم في حيرة أموت |
|
مرارا وأحيى مرارا |
أسارقك اللحظ في خفية |
|
وازجر في الخيل مهري سرارا |
__________________
(١) يفيد هذا أن المتنبي كان في مجلس سيف الدولة آنذاك ، انظر ديوانه : ١٢٧.