وأنت نعم لك الصباح ما تريع؟ (١) قلت : ما طرق الحي ، من بني أسد؟ قالت وهي تعصر عينيها من البكاء : طرقهم أسد أخو خفاف بن ندبة فسبى حريمهم وقتلهم وشردهم ، وفعل بهم ما ترى قلت : فما فعل طراد وابنته صيقل؟ قالت أسرهما جميعا أسد وهما عنده ، فبكيت لذلك ، وأتيت أصدقائي في الحي فعزيتهم وهم يبكون فهمت نفسي أن أصير الى حي بني أسد لما أصابني من الحب والوجد ، وأن أتحيل في تخليصها ، فقلت لهم : وعلى كم فرسخ نحن من حي بني قشير؟ قالوا : ثلاثة فراسخ ، فودعتهم وكان مغيب الشمس وسرت على العيوق (٢) والنسرين أطلب قاع الريح ، وكانوا بها نازلين ، فلم يمض الثلث من الليل حتى أشرفت على الحي واذا الخيام والقباب والأحمال كالكواكب ، ولم أصل الى الحي حتى أطفئت المصابيح وهدأ النبيح ، وكانت ليلة مقمرة ، فنظرت والحي هاد الأخبية مطنبة الى جوانب الجدرانات ، فحملت في واد كثير العوسج والمدر فاختفيت فيه ، ثم اني فكرت وحسبت من الأسد ، فارتقيت في أعلى شجرة دوم (٣) أتنظر راعي غنم ، راعي إبل ، بعض عجائز (٢٥٨ ـ و) الحي ممن يخرج يلتقط الحنظل ، فاني لكذلك ، وإذا بجويرية سمراء قد أقبلت ومعها عباء فبسطتها وأقبل معها شاب فبركا جميعا يتحادثان ويتشاكيان أطيب من قضم السكر ، ومن الشهد المصفى ، فأقاما على ذلك ساعة من الليل ، ثم قال يا بصيرة ارقدي حتى نرقد ساعة ، قالت : والله يا محبوب ما الى ذلك من سبيل لأني مع النسوان الذين قد وكلوا بحفظ الصيقل ، فأصغيت حينئذ اليها ، فقال لها : والله ما بد لي من ذلك ، ثم أكرهها ، ورقدا جميعا فمكثا هويا من الليل ، ثم قاما ، وعاد الرجل الى نومه ، وقامت الجارية فنزلت فاعترضتها في سنم الوادي ، فقلت لها : ممن أنت؟ قالت من هذا الحي ، قلت اجلسي أتعرفيني ، قالت : لا ، قلت : أنا الأعسر وقد رأيتك وما صنعت مع محبوب. فاكتمي عليّ
__________________
(١) من الواضح أنها أرادت «ما تريد»؟ ولا يفيد المعنى اللغوي ذلك تماما ففي اللسان ترع الرجل ترعا : اقتحم الامور مرحا ونشاطا ، ورجل ترع : فيه عجلة ، وقيل هو المستعد للشر والغضب السريع اليهما.
(٢) العيوق نجم أحمر مضيء في طرف المجرة الايمن ، يتلو الثريا لا يتقدمها ، والنسرين من النجوم. القاموس ولسان العرب. ويلاحظ أن المصنف قال «حي بني أسد» وكان عليه حذف كلمة «بني» أو استبدال كلمة «أسد» بكلمة «قشير».
(٣) الدوم : ضخام الشجر ، وقيل هو شجر المقل. النهاية لابن الاثير.