ثم أخذ بيدي أيها الأمير وأتى بي مضربها ، فأجلسني برّا منه حيث أسمع ما يدور بينهما ، ودخل اليها فقال لها : يا بنية ، الأعسر ممن تعلمين فضله وكرمه وسؤدده ، وقد أتانا خاطبا لك فلا تلجين وأنعمي ، فبكت وقالت : والله لئن لم تتركني لأقتلن نفسي فعاودها دفعات وهي تأبى ، فخرج وهو يشتمها ويلعنها ، وخبرني فجزيته خيرا ، وودعته وسرت وأنا قلبي عند الصيقل حتى أتيت أهلي ففرحوا بي وتباشروا ، واجتمع أهلي وبنو عمي فقلت لهم :
مضيت من عندكم بقلبي |
|
وعدت مضنى بغير قلب |
وكنت حيا فصرت ميتا |
|
من حسرة بي تشد كربي |
كدت وحق الإله حقا |
|
والبيت والقاصدين سغب (١) |
أقضي من حرقة ووجد |
|
ولوعة في الفؤاد نحبي |
حسبي يا صيقل بهذا لا |
|
تكثري في الجفا فحسبي |
فبهت أهلي وأصحابي ، وقالوا : ما الذي دهاك؟ قلت لا تنطق (٢) ، وأسرع فأحمل الى طراد جميع ما يطلبه وأطرح عليه جميع من قدرت عليه حتى يزوجني من ابنته ، وحدثته الحديث فاغتنم وبكى ، وأنفذ الى طراد يرغبه وأكثر له (٣) وهي تأبى أن تتزوج بأحد.
فأقمت مدة بأسوإ حال ، ثم إني اشتقت اليها ذات يوم (٢٥٧ ـ ظ) وطرقني خيالها ليلا ، فغدوت أريدها فسرت
على فرسي حتى أتيت الحلة ، فشممت على قدر ميل نتن روائح وجيفة ، فلما وصلت الى الحلة اذا بقتلى كثيرة بعضهم فوق بعض ، وأهل الحي زردق زردق ، ومحفل محفل في المواتيم والبكاء والنحيب ، فتقدمت الى بيت لقيني فناديت يا أهل البيت أنعموا صباحا ، فخرجت جارية كالمهاة ، وقالت
__________________
(١) كتب ابن العديم بالحاشية : لعله ربي ، وكتب بخط مخالف بالحاشية المقابلة : هذا جائز.
(٢) كتب ابن العديم فوقها : كذا ، وكتب بخط مخالف في الحاشية : «سقط شيء».
(٣) كذا بالاصل وهو كما أرى تصحيف صوابه «وأنفذ اليها طراد يرغبها ، وأكثر لها».