خشعت أنفسهم ، وخافوا القتل ، وخافوا على أنفسهم ، ولو صبروا حتى يجيء المغيرة (١) لكانت في الثالثة الصلح على الجلاء نجاة ، فعجل الأشعث ، فخرج الى عكرمة (٢) بأمان ، وكان لا يأمن غيره ، وذلك أنه كانت تحته أسماء بنت النعمان ابن الجون ، يخطبها وهو يومئذ بالجند (٣) ينتظر المهاجر ، فأهداها إليه أبوها قبل أن تبادوا ، وكان تزوجها على خبيصة (٤) ، فابتنى بها ثم غزا بها ، فأبلغه عكرمة المهاجر واستأمنه لنفسه ونفر معه تسعة على أن يؤمنهم وأهليهم على أن يفتحوا لهم الباب ، فأجابه الى ذلك ، وقال : انطلق واستوثق لنفسك ، ثم هلم كتابك أختمه.
قال : وحدثنا سيف عن أبي اسحاق الشيباني عن سعيد بن أبي بردة عن عامر أنه دخل عليه فاستأمنه على أهله وماله وتسعة ممن أحب ، وعلى أن يفتح لهم الباب فيدخلون على قومه ، فقال له (٢٤٠ ـ و) المهاجر اكتب ما شئت ، وأعجل ، فكتب أمانه وأمانهم ، وفيهم أخوه وبنو عمه وأهلوهم ، ونسي نفسه ، عجل ودهش ، ثم جاء بالكتاب فختمه ورجع ، فسرب الذين في الكتاب ، وقال الأجلح والمجالد : لما لم يبق إلا أن يكتب نفسه وثب عليه جحدم بشفرة ، وقال : نفسك أو تكتبني ، فكتبه وترك نفسه.
قال ابن اسحاق : فلما فتح الباب ، اقتحمه المسلمون ، فلم يدعوا فيه مقاتلا إلا قتلوه ، وضربوا أعناقهم صبرا ، وأحصى ألف امرأة ممن في النجير والخندق من بين سليب أو متبع ، ووضع على السبي والفيوء الأحراس ، وشاركهم كثير.
وقال كثير بن الصلت : لما فتح الباب وفرغ ممن في النجير وأحصى ما أفاء الله عليهم ، دعا الأشعث بأولئك النفر ، ودعا بكتابه فعرضهم ، فأجاز من في الكتاب ، فإذا الأشعث ليس فيه ، وإذا هو قد نسي نفسه ، فقال المهاجر : الحمد لله الذي
__________________
(١) المغيرة بن شعبة. انظر تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٧ حيث جاء أنه حمل من أبي بكر رسالة الى المهاجر جاء فيها «اذا جاءكم كتابي هذا ولم تظفروا ، فإن ظفرتم بالقوم فاقتلوا المقاتلة واسبوا الذرية ان أخذتموهم عنوة ..».
(٢) عكرمة بن أبي جهل. انظر تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٧.
(٣) عاصمة الاسلام الاولى في اليمن.
(٤) أي صنع لها حلوى ليلة عرسها ، والخبيصة هنا تصنع من السمن والتمر.
القاموس.