فذهبت بي رسله إليه ، فدخلت عليه وهو غضبان ، فلما رأيته خطرت في مشيتي ورقصت ، وكانت في رأسي فضلة قوية من السكر ، وغنيت في شعر قلته في بيت الخمارة وصنعت فيه ، وهو :
إن قلبي بالتّل تل عزاز |
|
عند ظبي من الظباء الجوازي |
شادن يسكن الشآم وفيه |
|
مع شكل العراق ظرف الحجاز |
يا لقوم لبنت قس أصابت |
|
منك صفو الهوى وليست تجازي |
حلفت بالمسيح أن تنجّز الوع |
|
د وليست تهمّ بالانجاز |
فسكن غضبه ، ثم قال لي : ويحك أين كنت؟ فأخبرنه فضحك ، وقال : عذر والله وأي عذر وإن مثل هذا لطيب إذا اتفق ، أعد عليّ غناءك ، فأعدته فأعجب (٢٤٥ ـ و) وأمرني أن أغنيه ليلتي كلها أعيده أبدا ولا أغني أنا ولا غيري سواه ، وأمر المغنين بأخذه ، فما زلت أغنيه ويشرب عليه الى الغداة ثم انصرفنا فصليت ونمت فما استقررت حسنا حتى وافاني رسول الرشيد يأمرني بالحضور ، فركبت ومضيت ، فلما دخلت إذا بابن جامع يتمرغ على دكان في الدار لغلبه النبيذ والسكر عليه ، فقال لي : أتدري لم دعينا؟ قلت : لا ، قال : لكني أدري ، دعينا بسبب نصرانيتك الزانية عليها وعليك لعنة الله ، فضحكت ، فلما خرج الرشيد إلينا أخبرته الخبر فضحك وقال صدق أعيدوه ولا تغنوا غيره ، فإني اشتقت الى ما كنا فيه لما فارقتموني فغنيناه جميعا يومنا كله حتى نام في موضعه سكرا ثم انصرفنا (١).
قلت : إنما أوردت هذه الحكاية مع ما فيها من التظاهر بالفسق والمعصية لأنه يستفاد منها دخول إسحاق الى حلب بدخوله الى عزاز ، وليفهم أن اسحاق لم يكن من أهل رواية الحديث لأنه قد سبق من قول سفيان أنه قال له : فلوددت أن سائر أصحاب الحديث كانوا مثلك ، وإنما أراد فيما سلكه معه من تحري الصدق ، وكذلك ما سبق ذكره من قول إبراهيم بن اسحاق الحربي : كان اسحاق الموصلي ثقة صدوقا ،
__________________
(١) الاغاني : ٥ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤ مع بعض الفوارق.