نعمة من نعم الملك التي لم يحظ أحد بمثلها ، ولو أن العمر والشباب والنشاط مما يشتري لاشتريته لهن بشطر ملكي (١).
وذكره محمد بن داود بن الجراح في «كتاب الورقة» فقال : اسحاق بن ابراهيم الموصلي أبو محمد مولى لبني تميم ، كثير الشعر ، حسنه ، وأكثر أغانيه في أشعاره ، وهو استاذ الناس في صناعته وفي علم الاخبار والاشعار ، وله بالفقه أيضا معرفة ، وقال : لي عشرين سنة ما رأيت مثله قط ، قال : وسألته عما عنده من الكتب ، فقال عندي مائتا قمطر (٢).
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال : أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر الخطيب قال : أخبرني الحسين بن علي الصيمري قال : حدثنا محمد بن عمران بن موسى الكاتب أخبرني محمد بن يحيى قال : حدثني عون بن محمد الكندي أن محمد بن عطية العطوي الشاعر حدثه أنه كان عند يحيى بن أكثم في مجلس له يجتمع الناس فيه ، فوافى اسحاق بن ابراهيم الموصلي فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم ، ثم تكلم في الفقه فأحسن وقاس ، واحتج وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر فأقبل على يحيى فقال : أعز الله القاضي أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته (٢٣٩ ـ ظ) نقص أو مطعن؟ قال : لا ، فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيام أهلها ، وأنسب الى فن واحد قد اقتصر الناس عليه.
قال العطوي : فالتفت اليّ يحيى بن أكثم فقال : جوابه في هذا عليك ـ قال :وكان العطوي من أهل الجدل ـ فقلت : نعم أعز الله القاضي الجواب عليّ ، ثم أقبلت على اسحاق : فقلت : يا أبا محمد أنت كالفراء والأخفش في النحو؟ قال : لا ، قلت : أفأنت في اللغة وعلم الشعر كالأصمعي وأبي عبيدة؟ قال : لا ، قلت أفأنت في الأنساب كالكلبي وأبي اليقظان؟ قال : لا ، قلت : أفأنت في الكلام كأبي الهذيل والنظام؟ قال : لا ، قلت : أفأنت في الفقه كالقاضي؟ قال : لا ، قلت : أفأنت في قول الشعر كأبي العتاهية وأبي نواس؟ قال : لا ، قلت : فمن هاهنا نسبت الى ما نسبت اليه لانه لا نظير لك فيه ولا شبيه ، وأنت في غيره دون رؤساء
__________________
(١) ورد هذا وسط عدة أخبار. انظر الاغاني : ٥ / ٢٦٨ ـ ٢٨٥.
(٢) ليس في المطبوع من كتاب الورقة.