وأما الرسائل التي جرت (١٦٦ ظ) بينه وبين أبي العلاء فإنني وقفت عليها ، وملكتها نسخه ، والمؤيد في الدين ابتداه وقال : بلغني عن سيدنا الشيخ بيتا ، وذكر البيت المذكور ، وقال : أنا ذلك المريض عقلا ورأيا وقد أتيتك مستشفيا ، لم امتنعت عن أكل اللحم؟
فأجابه أبو العلاء أن ذلك لرقة تأخذه على الحيوان ، وأن الذي يحصل له من ملكه لا يقوم بسعة النفقه.
فأجابه بجواب حسن وقال : إنه قد تقدم إلى الوالي بحلب أن يحمل إليه ما يقوم بكفايته ، لا كما ذكر ابن الهبّاريّة بأن يحمل الى حلب ، وأنه وعد عن الاسلام خيرا من بيت المال ، فامتنع أبو العلاء عن قبول ما بذله له وأجابه عن كتابه بجواب حسن ، فورد جواب المؤيد في الدين يتضمن الاعتذار إليه عن تكليفه المكاتبة في المعنى المذكور ، وشغل خاطره ، لا كما ذكر ابن الهبارية.
وكذلك قول ابن الهبّاريّة أن أبا العلاء «سم نفسه فمات» ، خطأ فاحش من القول فإن أبا العلاء مات حتف أنفه بمرض أصابه ، وسنذكر ذلك إن شاء الله في ذكر وفاته.
قرأت بخط أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد سليمان أو بخط أبيه أبي محمد عبد الله فإن خطيهما متشابهان ، في ورقة وقعت إليّ ، ذكر فيها شيئا من أحوال أبي العلاء ، وقال فيها : إن المستنصر بالله صاحب مصر بذل له ما لبيت المال بمعرة النعمان من الحلال ، فلم يقبل منه شيئا وقال : (١٦٧ و).
كأنما غانة لي من غنى |
|
فعدّ عن معدن أسوان (١) |
سرت برغمي عن زمان الصبى |
|
يعجلني وقتي وأكواني |
ضد أبي الطيب لما غدا |
|
منصرفا عن شعب بوّان (٢) |
__________________
(١) معدن أسوان هو الذهب.
(٢) من شعر اللنزوميات انما لم أقف عليهم في طبعة دمشق.