ولم يعز غرس النعمة شيئا من هذه الاشعار المكذوبة الى كتاب يعتمد عليه ، ولا : نسب روايتها الى ناقل أسندها اليه ، بل اقتصر في ذكرها كما ذكر على البلاغ ولم يتأمل أن مثلها مما يختلق عليه زورا ويصاغ.
وقد نسج أبو يعلى بن الهبارية على منوال غرس النعمة من غير فكر ولاروية ، فقال في كتابه الموسوم «بفلك المعاني» المشحون بقول الزور فيما ينقله ويعاني : (١٦٦ و) وقد قال أبو العلاء أحمد بن سليمان مع تحذلقه ودعواه الطويلة العريضة وشهرته نفسه بالحكمة ومظاهرته :
ونهيت عن قتل النفوس تعمدا |
|
وبعثت تقبضها مع الملكين |
وزعمت أنّك في المعاد تعيدها |
|
ما كان أغناها عن الحالين |
قال ابن الهبارية : وهذا كلام مجنون معتوه يعتقد أن القتل كالموت ، والموت ، كالقتل ، فليت هذا الجاهل الذي حرم الشرع وبرده ، والحق وحلاوته ، والهدى ونوره ، واليقين وراحته ، لم يذع ما هو برىء منه بعيد عنه ولم يقل :
غدوت مريض العقل والرأي فأتني |
|
لتخبر أنباء الأمور الصحائح |
حتى سلط الله عليه أبا نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر ، فقال : أنا ذلك المريض رأيا وعقلا ، وقد أتيتك مستشفيا فاشفني ، وجرت بينهما مكاتبات كثيرة ، وأمر باحضاره حلب ، ووعده على الإسلام خيرا من بيت المال ، فلما علم أبو العلاء أنه يحمل للقتل أو الإسلام سمّ نفسه فمات (١).
وابن الهبّاريّة لا يعتمد على ما ينقله ، وأبو نصر بن أبي عمران هو هبة الله ابن موسى ، المؤيد في الدين ، وكان اجتمع بأبي العلاء بمعرة النعمان ، وذكرنا فيما نقله ابن الزبير باسناده أنه كانت بينه وبين أبي العلاء صداقة ومراسلة ، وذكر حكايته معه.
__________________
(١) انظر معجم الأدباء : ٢ / ١٨٥.