ومن أعجب ما بلغني من ذكائه ما حدثني به والدي رحمه الله قال : بلغني أنه لما سافر أبو العلاء الى بغداد وأقام بها المدة التي أقامها اجتاز في طريقه وهو متوجه بشجرة ، وهو راكب على جمل ، فقيل له طأطىء رأسك لئلا تلحقك الشجرة ، ففعل ذلك ، فلما عاد من بغداد ووصل الى ذلك الموضع ، وكانت الشجرة قد قطعت ، طأطأ رأسه (١٥٨ ظ) فقيل له في ذلك ، فقال : هاهنا شجرة ، فقال (١) له : ما هاهنا شجرة ، فقال : بلى ، فحفروا في ذلك الموضع ، فوجدوا أصلها ، والله أعلم.
أخبرني بعض أهل المعرة بها قال : كان أبو العلاء المعري يشرب الماء من بئر بالمعرة يقال له بئر القراميد ، وكان يستطيب ماءه ، فلما رحل الى بغداد سيرت له والدته من ماء بير القراميد شيئا ، فلما وصل الماء لم يعلموه به ، وسقوه منه ، فلما شربه قال : لا إله إلا الله ما أشبه هذا الماء بماء بير القراميد.
وأخبرني الوزير الفاضل مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن العلقمي (٢) ببغداد قال : سمعت شيخي في النحو ابن أيوب يقول : كان ببغداد رجل من أهل العلم يقال له : أبو القاسم ، وكان أديبا وبينه وبين أبي العلاء بن سليمان مكاتبات قد تكررت ، ولم يكونا اجتمعا ، فاتفق أن أبا القاسم المذكور قدم الشام ودخل على أبي العلاء ، ولم يكن رآه قبل ذلك ، فسلم عليه فقال له : أبو القاسم؟ فقال : نعم ، فقيل له : كيف عرفت أنه أبو القاسم؟ فقال : أخذت اسمه من كلامه.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي : سمعته ـ يعني أبا الزاكي حامد بن بختيار خطيب الشمسانية (٣) ـ يقول : سمعت عبد المنعم ـ يعني أبا المهذب بن أحمد بن أبي الروس ـ يقول : سمعت أخي ـ يعني أبا الفتح ـ يقول : دخل
__________________
(١) كذا بالاصل ، والاصح أن يقال : فقيل له.
(٢) آخر وزراء الدولة العباسية في بغداد ، وقد شهد سقوطها لهولاكو.
(٣) بليدة بالخابور. معجم البلدان.