سليمان قاضي معرة النعمان ، قال : أخبرني جماعة من سلفنا أن بعض أمراء حلب قيل له : إن اللغة التي ينقلها أبو العلاء إنما هي من الجمهرة ، وعنده نسخة من الجمهرة ليس في الدنيا مثلها ، وحسنوا له طلبها منه قصدا لأذاه فسيّر أمير حلب إليه من يطلبها منه ، فقال للرسول : سمعا وطاعة للأمير ، تقيم عندنا هذه الأيام حتى نقضي شغلك ، ثم أمر من يقرأ عليه كتاب الجمهرة ، فقرئت عليه حتى فرغت ، ثم دفعها الى الرسول ، وقال : ما قصدت بذلك إلا بأن أمرها على خاطري خوفا من أن يكون قد شذ منها شيء عن خاطري ، فعاد الرسول بها وأخبر أمير حلب بذلك ، فقال : من يكون هذا حاله لا يجوز أن يؤخذ منه هذا الكتاب ، وأمر برده إليه.
قلت وكان أبو العلاء قد سمع الجمهرة من أبيه أبي محمد عبد الله ، وسمعها أبوه من أبي عبد الله الحسين بن خالويه ورواها أبو عبد الله عن ابن دريد الأزدي.
وسمعت أبا المعالي قاضي المعرة يقول : سمعت (١٥٨ و) جماعة من أهلنا يقولون كان الشيخ أبو العلاء متوقد الخاطر على غاية من الذكاء من صغره ، وتحدث الناس عنه بذلك ، وهو إذ ذاك صبي صغير ، فكان الناس يأتون إليه ليشاهدوا منه ذلك ، فخرج جماعة من أهل حلب الى ناحية معرة النعمان وقصدوا أن يشاهدوا أبا العلاء ، فدخلوا الى معرة النعمان وسألوا عنه ، فقيل لهم هو يلعب مع الصبيان ، فجاءوا إليه وسلموا عليه ، فرد عليهم السلام ، فقيل له : إن هؤلاء جماعة من أكابر حلب جاءوا لينظروك ويمتحنوك ، فقال لهم : هل لكم في المقافاة؟ فقالوا : نعم ، فجعل كل واحد منهم ينشد بيتا وهو بافية حتى فرغ محفوظهم بأجمعهم وقهرهم ، فقال لهم : أعجزتم أن يعمل كل واحد منكم بيتا يقافي به عند الحاجة؟ فقالوا له : فافعل أنت ذلك ، فجعل يجيب كل واحد منهم من نظمه في مقابلة ما أنشده حتى قهرهم ، فعجبوا منه وانصرفوا.