أن سألت عن كل ما أردت ، فلما عدت وقعدت بين يديه قال لي : أي لسان هذا؟ قلت : هذا لسان أهل أذربيجان ، فقال : ما عرفت اللسان ولا فهمته غير أني حفظت ما قلتماه ، ثم أعاد لفظنا بلفظ ما قلنا ، فجعل (١٥٧ و) جاري يتعجب غاية العجب ، ويقول : كيف حفظ شيئا لم يفهمه.
وأخبرني عنه بمثل هذه الحكاية والدي رحمه الله يأثره عن أسلافه قال : كان لأبي العلاء جار أعجمي فاتفق أنه غاب عن معرة النعمان ، فحضر رجل أعجمي يطلبه قد قدم من بلده فوجده غائبا ولم يمكنه المقام فأشار إليه أبو العلاء أن يذكر حاجته إليه ، فجعل ذلك الرجل يتكلم بالفارسية وأبو العلاء يصغي إليه الى أن فرغ من كلامه ، ولم يكن أبو العلاء يعرف باللسان الفارسي ، ومضى الرجل ، فقدم جاره الغائب ، وحضر عند أبي العلاء فذكر له حال الرجل ، وجعل يذكر له بالفارسية ما قال والرجل يبكي ويستغيث ويلطم الى أن فرغ من حديثه ، وسئل عن حاله ، فأخبرهم أنه أخبر بموت أبيه وأخوته وجماعة من أهله.
قال لي والدي : ومما بلغني من ذكائه أن جارا سمانا كان له وبينه وبين رجل من أهل المعرة معاملة ، فجاءه ذلك الرجل وحاسبه برقاع كان يستدعي فيها ما يأخذ منه عند دعو حاجته إليه ، وكان أبو العلاء في غرفة له يسمع محاسبتهما.
قال : فسمع أبو العلاء السمان المذكور بعد مدة يتأوه ويتململ ، فسأله عن حاله ، فقال : كنت حاسبت فلانا برقاع كانت له عندي ، وقد عدمتها ولا يحضرني حسابه ، فقال له : ما عليك من بأس تعال إلي فأنا أملي عليك حسابه ، وجعل يملي (١٥٧ ظ) معاملته جميعها رقعة رقعة ، والسمان يكتبها الى أن فرغ وقام ، فما مضت إلا أيام يسيرة ووجد السمان الرقاع وقد جذبها الفأر الى زاوية في الدكان ، فقابل بها ما أملاه عليه أبو العلاء ، فلم تخرم حرفا واحدا.
أخبرني القاضي أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سعيد بن مدرك بن علي بن