القاضي اسماعيل بن حميد الدمياطي قال : حدثني أبي قال : حدثني هبة الله بن موسى المؤيد في الدين ، وكانت بينه وبين أبي العلاء صداقة ومراسلة (١) ، قال : كنت أسمع من أخبار أبي العلاء وما أوتيه من البسطة في علم اللسان ما يكثر تعجبي منه ، فلما وصلت المعرة قاصدا للديار المصرية لم أقدّم شيئا على لقائه ، فحضرت إليه ، واتفق حضور أخي معي وكنت بصدد أشغال يحتاج إليها المسافر فلم أسمح بمفارقته والاشتغال بها ، فتحدث معي أخي حديثا باللسان الفارسي فأرشدته الى ما يعمله فيها ، ثم عدت الى مذاكرة أبي العلاء ، فتجارينا الحديث الى أن (١٥٦ ظ) ذكرت ما وصف به من سرعة الحفظ ، وسألته أن يريني من ذلك ما أحكيه عنه فقال : خذ كتابا من هذه الخزانة ـ لخزانة قريبة منه ـ واذكر أوله ، فإني أورده عليك حفظا ، فقلت : كتابك ليس بغريب إن حفظته ، قال : قد دار بينك وبين أخيك كلام بالفارسية إن شئت أعدته ، قلت : أعده ، فأعاده ما أخل والله منه بحرف ، ولم يكن يعرف اللغة الفارسية.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل ـ إذنا ـ قال : أخبرنا أبو سعد السمعاني ـ إجازة إن لم يكن سماعا ـ قال : وذكر أبو العلاء بن سليمان ، وحكى تلميذه أبو زكريا التبريزي أنه كان قاعدا في مسجده بمعرة النعمان بين يديه يقرأ عليه شيئا من تصانيفه ، قال : وكنت قد أتممت عنده سنتين ولم أر أحدا من بلدي ، فدخل مغافصة (٢) المسجد بعض جيراننا للصلاة فرأيته وعرفته وتغيرت من الفرح ، فقال لي أبو العلاء : ما أصابك ، فحكيت له أني رأيت جارا لي بعد أن لم ألق أحدا من بلدي منذ سنين ، فقال لي : قم وكلمه ، فقلت : حتى أتمم السّبق (٣) ، فقال : قم أنا أنتظرك ، فقمت وكلمته بالأذربيجية شيئا كثيرا ، الى
__________________
(١) داعي الدعاة الفاطمي ، له ديوان شعر ومجالس وسيرته لنفسه ، وأورد ياقوت في معجم الادباء : ٢ / ١٧٦ ـ ٢١٢ (من ط. بيروت ١٩٨٠) رسائله مع أبي العلاء.
(٢) أي فجأة وعلى حين غرة. القاموس.
(٣) أي ما سبق لي أن بدأت بقراءته.