هذا السيد رجل كبير القدر ، وقد وصفتك عنده ، وهو يحب أن تحفظ اليوم ما يختاره لك ، فقال : سمعا وطاعة فليختر ما يريد.
قال ابن منقذ : فاخترت شيئا وقرأته على الصبي وهو يموج ويستزيد ، فإذا مر به شيء يحتاج الى تقريره في خاطره يقول : أعد هذا ، فأردده عليه مرة واحدة حتى انتهيت الى ما يزيد على كراسة ، ثم قلت له : يقنع هذا من قبل نفسي ، قال : أجل حرسك الله ، قلت : كذا وكذا وتلا علي ما أمليته عليه وأنا أعارضه بالكتاب حرفا حرفا حتى انتهى الى حيث وقفت عليه ، فكاد عقلي يذهب لما رأيت منه ، وعلمت أن ليس في العالم من يقدر على ذلك إلا أن يشاء الله ، وسألت عنه فقيل لي : هذا أبو العلاء التنوخي من بيت العلم والقضاء والثروة والغناء.
قلت : ذكره لهذه الحكاية أنها كانت بأنطاكية لا يصح ، فإن أنطاكية استولى عليها الروم وانتزعوها من أيدي المسلمين في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، وولد (١٥٦ و) أبو العلاء بعد ذلك بأربع سنين وثلاثة أشهر ، وبقيت أنطاكية في أيدي الروم الى أن مات أبو العلاء بن سليمان في سنة تسع وأربعين وأربعمائة وبعده الى أن فتحها سليمان بن قطلمش في سنة سبع وسبعين وأربعمائة (١) ، فكيف يتصور أن يكون بها خزانة كتب وخازن علوي وهي في أيدي الروم ، ويشبه أن تكون هذه الواقعة بكفر طاب أو بغيرها ، وقد يتصحف كفر طاب بأنطاكية ، وابن منقذ أبو المتوج مقلد بن نصر بن منقذ كان من أقران أبي العلاء ، وكانت له كفر طاب فيحتمل أن يكون ذلك كان معه والله أعلم.
وقرأت في كتاب «جنان الجنان ورياض الأذهان» (٢) لابن الزبير المصري ما يناسب هذه الحكاية ، قال ابن الزبير : حدثني القاضي أبو الفتح محمود بن
__________________
(١) أشار الى ذلك بشكل مفصل في الجزء الاول لدى الحديث عن أنطاكية.
(٢) هذا الكتاب بحكم المفقود.