أودى فليت الحادثات كفاف |
|
مال المسيف وعنبر المستاف |
يرثي بها الشريف المتوفى ، فلما سمعها الرضي والمرتضى قاما إليه ورفعا مجلسه إليهما وقالا له : لعلك أبو العلاء المعري؟ فقال : نعم ، فأكرماه واحترماه ، وطلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائن بغداد ، فأدخل إليها وجعل لا يعرض عليه كتاب إلا وهو على خاطره ، فعجبوا من حفظه (١).
وزادني غير والدي أنه لما أنشد :
أودى فليت الحادثات كفاف |
|
.......... |
قيل له : كفاف ، فأعادها كفاف ، فتأملوا ذلك وعرفوا أن الصواب ما قال.
أخبرنا الشريف أبو علي المظفر بن الفضل بن يحيى العلوي الاسحاقي ـ إجازة كتبها لي ببغداد وأنا بها وقد اجتمعت به بحلب وعلقت عنه فوائد ـ قال : حدثني والدي رضي الله عنه وأرضاه يرفعه الى ابن منقذ قال : كان بأنطاكية خزانة كتب ، وكان الخازن بها رجلا علويا ، فجلست يوما إليه فقال : قد خبأت لك غريبة طريفة لم يسمع بمثلها في تاريخ ولا كتاب منسوخ ، قلت : وما هي؟ قال : صبي دون البلوغ ضرير يتردد إلي وقد حفظته في أيام قلائل عدة كتب ، وذاك أنني أقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة فلا يستعيد إلا ما يشك فيه ، ثم يتلو علي ما قد سمعه كأنه قد كان محفوظه ، قلت : فلعله يكون يحفظ ذلك ، قال : سبحان الله كل كتاب في الدنيا (١٥٥ ـ ظ) يكون محفوظا له ، وإن كان ذلك كذلك فهو أعظم ، ثم حضر المشار إليه وهو صبي دميم الخلقة ، مجدور الوجه على عينيه بياض من أثر الجدري كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلا ، وهو يتوقد ذكاء ، يقوده رجل طوال من الرجال أحسبه يقرب من نسبه فقال له الخازن : يا ولدي
__________________
(١) ويروى أنه دب الخلاف اثر ذلك بينه وبين الشريف المرتضى بسبب المتنبي.
انظر الخبر مفصلا في معجم الادباء (ط. بيروت ١٩٨٠) ٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤.