هكذا جاء في هذه الرواية قال : حدثني أبو عبد الله محمد بن حمدون ، والمعروف أبو عبد الله أحمد بن حمدون ، وقد تقدم ذكره.
وقع الى كتاب صنفه أحمد بن الطيب السرخسي ، ووسمه بزاد المسافر ، ذكر فيه وصية المسافر وخدمة الملوك ، وهو كتاب كتبه الى بعض إخوانه وقد أراد سفرا لخدمة بعض الملوك ، فوجدته كتابا حسنا جامعا لوصايا (١٣٤ ـ ظ) نافعة من كلامه وكلام غيره ، فمما قرأت فيه من الوصايا البالغة من كلام أحمد بن الطيب قوله : إن أول ما أوصيك به وأحثك عليه ، وأراه عزا وسعة وغنما وفائدة وأنسا ، وكثرة وحصنا وجنة ونبلا ورئاسة ، استشعار تقوى الله وخشيته والحذر منه في حالاتك كلها ، فإنه لا يخاف من خافه ، ولا يأمن من عصاه ، يتفرق الأعوان ، وينسأ (١) الاخوان ، وينأى الجيران ، ويجور السلطان ، والله موجود بكل مكان لمن أيقن ألا حول ولا قوة إلا به ، فاجعل الثقة بالله معولك ، والاعتماد عليه ثقتل ، والتوكل عليه نصيرك ، والطاعة له سلاحك وعدتك ، وإن نالك خير فاقرنه بشكر ، فإن الشكر على الخير زيادة في النعمة ، وإن يمسك ضير ، فاجعل مفزعك الى الله.
وجماع القول : ارض بالله طبيبا يبرك من داء البطر عند النعم ، وذل الاستكانة عند حلول المحن ، وتعوذ بالله من الشيطان كما أمرك يحرسك من شياطين الانس والجن ، وتعوذ بالله من شر نفسك يقك مصارع هواك ، ازجر غضبك بتذكر الحال التي أنت عليها من عجز أو قدرة ، فإن الغضب مع العجز يظهر الزلة والقلة ، والغضب مع القدرة يظهر الطيش والعجلة ، وفي الحاجتين جميعا تعدم الحلم (١٣٥ ـ و) والأناة ، وحيث تعدم الحلم والأناة تعدم الفكرة ، وحيث تعدم الفكرة تعدم الحكمة ، وحيث تعدم الحكمة تعدم الخير كله.
واعلم أن الشهوة من أكبر أعوان الهوى ، فمن قويت شهوته اشتد حرصه ، ومن اشتد حرصه عمي عن مراشده ، ومن عمي عن مراشده أخطر ببدنه ودينه.
__________________
(١) أي يؤجل أو يؤخر.