وأتى أسماء بن خارجه ، فعصب حاجته به ، فقال : إني لا أقدر لك على منفعة ، وقد علم الأمير مكانك ، ولم يأذن لك ، فقال لأسماء : والله لا يلزمها (١٧١ ـ و) غيرك أنجحت أم نكثت ، فلما بلغ ذلك الحجاج قال : ما له عندي شيء ، فأبلغه ذلك ، قال : وما عليك أن تكون أنت الذي تويسه ، فانه قد لح ، فأذن له ، فلما رآه قال : أعهدتني خائنا لا أبا لك؟ قال : أنت سيد هوازن ، وبدأنا بك ، وعمالتك خمسمائة ألف في كل سنة ، وما بك بعدها إلى خيانة ، قال : أشهد أن الله وفقك ، وأنك نظرت بنور الله ، فلك نصفها العام ، فأعطاه وأدى أسماء البقية ، ثم استأذن الجحاف في الحج ، فأذن له في ذلك مع الجلة من الشيوخ التي شهدت الوقعة ، وفعلوا الأفاعيل ، فخرجوا وقد أبروا آنفهم ـ يقول خزموها ـ يمشون من الشام محرمين يلبون ، فلما قدموا المدينة خرج أهل المدينة ينظرون إليهم ويتعجبون منهم ، فلما قدموا مكة ، تعلقوا بأستار الكعبة فقالوا : اللهم اغفر لنا وما أراك تفعل ، فقال ابن عمر : يأسكم من قبول التوبة أشد عليكم من ذنوبكم ، فقيل له : هذا الجحاف وأصحابه ، فسكت وتمّ ذلك الصلح.
قلت قوله في هذا الخبر : ودمشق في قبلة البشر ، يريد في السّمت ، لا أنها على قرب منه ، فإن بين دمشق وبين البشر ثمانية أيام ، وقد ذكر الصّمّة بن عبد الله القشيري جبل البشر في شعره فقال :
ولما رأيت البشر قد حال دوننا |
|
وأضحت بنات الشوق يحننّ نزّعا |
تلفت نحو الحي حتى وجدتني |
|
ألمت من الإصغاء ليتا وأخدعا (١) |
(١٧١ ـ ظ)
وقرأت في كتاب معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري : البشر بكسر أوله على
__________________
(١) شرح ديوان حماسة أبي تمام للمرزوقي ط. القاهرة ١٩٥٢ ، ص ١٢١٧ ـ ١٢١٨ ، مع تباين في الرواية.