وبينهما قنطرة حجاره حصينة جدا على شرف من الأرض ، ينظر منها الجالس في مسجد الجامع بها إلى قرب البحر نحو أربعة فراسخ.
وجيحان يخرج من بلد الروم حتى ينتهي إلى المصيصة ، ثم إلى رستاق يعرف بالملون ، حتى يقع في بحر الروم.
قلت : فقد ينخل من مجموع ما ذكرناه أن بناء المصيصة في الدولة الإسلامية كان ، لأن هرقل لما خرج عن أنطاكية إلى (٥٣ ـ ظ) القسطنطينية استصحب أهل هذه البلاد ، وأجلوا منها ، ونقلهم معه ، وشعث هذه البلاد. فإن البلاذري قال في كتابه : حدثني مشايخ من أهل أنطاكية وغيرهم قالوا : كانت ثغور المسلمين الشامية أيام عمر وعثمان وما بعد ذلك أنطاكية وغيرها من المدن التي سماها هرون الرشيد فكان المسلمون يغزون ما وراءها كغزو اليوم ما وراء طرسوس ، وكانت فيما بين إسكندرونه وطرسوس حصون ومسالح للروم ، كالمسالح والحصون التي يمر بها المسلمون اليوم ، فربما أجلاها أهلها ، وهربوا إلى بلاد الروم خوفا ، وربما نقل إليها من مقاتلة الروم من تشحن به ، وقد قيل إن هرقل أدخل أهل هذه المدن معه عند انتقاله من أنطاكية لئلا يسير المسلمون في عمارة ما بين أنطاكية وبلاد الروم ، والله أعلم.
قال البلاذري : وحدثني ابن طيبون البغراسي عن أشياخهم أنهم قالوا : الأمر المتعالم عندنا أن هرقل نقل أهل هذه الحصون معه ، وشعثها ، وكان المسلمون إذا غزوا لم يجدوا بها أحدا ، وربما كمن عندها القوم من الروم ، فأصابوا غرّة المتخلفين عن العساكر والمنقطعين عنها ، فكان ولاة الشواتي والصوائف إذا دخلوا بلاد الروم خلفوا بها جندا كثيفا إلى خروجهم (١).
فكانت المصّيصة وغيرها من الثغور الشامية خرابا بسبب ذلك ، فلما غزا (٥٤ ـ و) عبد الله بن عبد الملك بنى حصن المصيصة دون مدينتها ، فأراد عمر بن
__________________
(١) فتوح البلدان ، ١٦٨.