رأيت بخطه قائمة صورتها : البلدانيات لكاتبها ، وسرد أسماء القرى ، والبلاد ، والمحال ، وهي تسعة وثلاثون. فيذكر المكان ، والشيخ الذي سمع منه فيه ، والكتاب أو الجزء الذي يخرّج منه ، أو نحو ذلك. وفيها عن رفقائه فمن دونهم ؛ ولكن لم يتيسّر له تخريج ذلك فيما وقفت عليه ؛ مع أنني وقفت له أيضا على عشرة أماكن من نمط ما ذكره ؛ سمع فيها أيضا ؛ نعم خرّج «الأربعين المتباينات»وتوسّع هو وغيره ممن تقدم في أماكن شبيهة بالبلاد في الجملة ؛ وإن لم يكن بها خطبة ولا مستوطن بدون نقلة.
ولعمري إنّه نوع شريف ، وفرع ينشأ عنه غير معنى لطيف ؛ لأنه ربما انفرد بعض أهل ذلك البلد بشيء من السنن ، فيكون في الاجتهاد فيه إبرازه على هذا الوجه الحسن ، وذلك مما يحرصون عليه ، ويصرفون نظرهم إليه ، ولذا صنّف أبو داود السّجستاني «كتاب التفرد»(١). وأورد فيه ـ مما تفرد به أهل اليمامة ـ حديث طلق في كون مسّ الذّكر لا ينقض الوضوء للتعبد (٢).
__________________
وقد أفرد العلماء ترجمته في مؤلفات مستقلة ومن أجودها ترجمة تلميذه السخاوي الذي سماه «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر»وهو مطبوع في ثلاث مجلدات.
وانظر أيضا : «ابن حجر العسقلاني مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتاب الإصابة»للدكتور شاكر عبد المنعم.
(١) قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في «مجالس في تفسير قوله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ...)»صفحة (٣٤٥) عند ذكره لأقسام التفرد : وتارة يأتي الحديث فيقال مثلا : تفرّد به أهل البصرة ، أو أهل الكوفة ، أو يقال : هذه سنة تفرّد بها أهل بلد كذا ، ولأبي داود صاحب «السنن»مصنّف مفرد في ذلك سمّاه «كتاب التفرد»وذكر في «سننه»شيئا يسيرا من ذلك ا ه.
(٢) رواه الطيالسي (١٠٩٦) ، وابن أبي شيبة ١ / ١٦٥ ، وأحمد ٤ / ٢٢ ، ٢٣ ، وأبو داود (١٨٢) ، والترمذي (٨٥) ، والنسائي ١ / ١٠٣ ، وابن حبان (١١١٩) (١١٢٠). وغيرهم من طريق قيس بن طلق ، عن أبيه قال : سأل رجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أيتوضأ أحدنا إذا مسّ ذكره؟ قال : «إنّما هو بضعة منك أو جسدك».
وصحّح الحديث عمرو بن علي الفلاس وقال : هو عندنا أثبت من حديث بسرة.
وقال علي بن المديني : حديث طلق أحسن من حديث بسرة.