قوانينهم المحرّرة ، واعيا من أستاذي (١) فمن يليه اصطلاحهم ؛ مع ملاحظة دواوينهم المعتبرة ، ولم آل جهدا في الاقتحام ؛ في تيّار بحار هذا الشأن والازدحام ؛ في المتابعة بحسن الاعتبار ، لذوي الإتقان رجاء لاستمرار ؛ قائم به في الجملة واعتناء بإكثار ، من أهله عند التحقيق في غاية من القلّة ؛ بل القول الأنسب ؛ أنّهم إلى العدم أقرب :
وقد كنّا نعدّهم قليلا |
|
فقد صاروا أقلّ من القليل |
وما ذاك إلّا لأنه لا يدرك بالهوينى ، ولا يسلك ممّن أشرك غيره معه يقينا ؛ إذ هو بيقين ، كما قال بعض الحفاظ المحققين (٢) : لا يعلق إلّا بمن قصر نفسه عليه ، ولم يضمّ غيره من العلوم إليه. ونحوه تعليل شيخنا تفضيل شيخه العراقي ـ رحمهماالله ـ له على ولده المرحوم الوليّ ، بأكثريّة ممارسته لهذا العلم بالنسبة لغيره من فنون العلم المعتلي (٣). وقول إمامنا الشافعيّ مخاطبا لبعض أصحابه السّادات : أتريد الجمع بين الفقه والحديث؟ هيهات!
ورأيت (٤) جماعة من المحدثين ، والحفاظ المعتمدين ، ممّن رحل فاتصل ، وعلى قصده الشريف فيها حصل ، قد خرّج الأحاديث العليّات ؛ البلدانيات ، وهي عن شيوخ جملة ، سمع المخرّج من كلّ واحد منهم ببلد أو محلّة ، لا يكرّر فيها شيخا ولا مكانا ، ولا يقصّر في إيضاحها تبيينا وبيانا ، فكان أوّل من علمته ابتكر هذا الصّنيع ، وأظهر هذا القصد البديع ؛ عتيق بن علي بن داود السّمنطاري (٥) ، تلميذ أبي نعيم الأصبهاني.
__________________
(١) يعني : شيخه الحافظ ابن حجر رحمة الله على الجميع.
(٢) هو الحافظ الخطيب البغدادي كما صرح بذلك المصنف في «الضوء اللامع»٨ / ٥.
(٣) انظر «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر»للمؤلف ١ / ٢٧٢.
(٤) ذكر المؤلّف ـ رحمهالله ـ هذا الفصل ـ وهو الاعتناء بالبلدانيات ـ في كتابه الماتع «الجواهر والدّرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر»١ / ١٩٥ ـ ١٩٧.
(٥) الزاهد ، الصالح ، العابد ، أحد عبّاد الجزيرة المجتهدين ، وزهادها العالمين ، ممن رفض الأولى ولم يتعلق منها بسبب ، وطلب الأخرى وبالغ في الطلب ، أكثر الترحال والتطواف ، ـ ـ