بسم الله الرّحمن الرّحيم
صلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما.
أما بعد حمد الله الذي أظهر السّنن النبوية ، وأسهر فيها الأعين السّوية ، في سائر الأحوال ، فأعمل الفكر في تحصيلها الفحول من الرجال ، وأقبل على النظر في تأصيلها ؛ جملتها وتفصيلها ، أهل العقول ؛ الجهابذة الأبطال ، فسعوا بأتمّ اجتهاد في التّوصّل إليها بالإسناد المتمكّن الاتصال ، ووعوا ما شذّ عنها بالانفراج ؛ أو أدرج معها بسند ظاهره الاعتماد مع اعتلال ، فميّزوه بحسن الانتقاد وأوضحوه بما بيّن به المراد بأحسن مقال ، وتتّبعوا الطّرق الفائقة ، لينتفعوا بها في معانيها الرائقة ، ويظهر من فوائدها ما لا ينحصر في مثال ، ورغبوا في العلوّ الذي يقرّبهم إلى الرّسول ، ويفيدهم قلّة ظنّ تطرّق الخطأ والغفلة في وسائط تلك النقول ، والقرب من الاعتدال ، ورأوا أن مجموع ذلك لا يتمّ إلا بلقاء الرجال ، والارتقاء إلى النّواحي القاصية ؛ فما دونها من المدن الكبار ، والقرى والمحال ، فارتحلوا وما كسلوا ، وساروا بعد أن استخاروا ، وأبعدوا المحال ، وحلّوا في تلك الزّوايا ، ففازوا بالخبايا ، ثمّ انتصبوا لمّا ظفروا بما فيه رغبوا ؛ لإبراز ما في تحصيله تعبوا في الحال والاستقبال.
والصلاة والسّلام على سيّد المرسلين ، وعلى آله وصحبه وتابعيهم إلى يوم الدّين ؛ فهم خير صحب وآل.
فلما كنت لمحبتي في هؤلاء القوم ، ورغبتي في أرباحهم المرجوّ حصولها بالسّوم ، أتشبّه بهم ، وأتنبّه لهديهم وترتيبهم ؛ في التعديل والتجريح ، والتعليل والتصحيح ، وتتبّع الطّرق بإمعان ، والتوسّع فيه إلى غير المظانّ ، مراعيا