ابن اسحق ، قال : حدّثني وهب بن كيسان ، أنه سمع عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يسأل عبيد بن عمير الجندعي (١) عن بدوّ أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال عبيد : كان صلّى الله عليه وسلم يجاور بحراء من كل سنة شهرا ويطعم من جاءه من المشركين فإذا قضى جواره ، لم يصل إلى بيته حتى يطوف بالكعبة ، فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، بحراء وكان يقول : «لم يكن من الخلق شيء أبغض إليّ من شاعر أو مجنون كنت لا أطيق النظر إليهما ، فلما ابتدأني الله ـ عزّ وجلّ ـ بكرامته ، أتاني رجل في كفه نمط (٢) من ديباج فيه كتاب ، وأنا نائم ، فقال : (اقْرَأْ) فقلت : وما أقرأ؟ فغطّني ، حتى ظننت أنه الموت ، ثم كشط عني ، فقال : (اقْرَأْ) فقلت : وما أقرأ؟ فعاد لي مثل ذلك ، فقال : (اقْرَأْ) فقلت : وما أقرأ؟ فعادوني بمثل ذلك. فقلت : أنا أمّيّ ، ولا أقولها إلا تنحيا من أن يعود لي بمثل الذي فعل بي ، فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) إلى قوله : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) ثم انتهى كما كان يصنع بي. قال : ففزعت ، فكأنما صوّر في قلبي كتابا ، فقلت : إنّ الأبعد لشاعر أو مجنون. فقلت : لا تحدّث عني قريش بهذا ، لأعمدنّ إلى حالق من الجبل فلأطرحنّ نفسي منه فلأقتلها ، فخرجت ، وما أريد غير ذلك ، فبينا أنا عامد لذلك اذ سمعت مناديا ينادي من السماء : يا محمد ، أنت رسول الله ، وأنا جبريل ، فذهبت أرفع رأسي ، فإذا رجل صافّ قدميه في أفق السماء ، فوقفت لا أقدر على أن أتقدّم ولا أتأخّر ، وما أصرف وجهي في ناحية من السماء إلا قد رأيته ، حتى بعثت خديجة ـ رضي
__________________
التاريخ ٢ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧ من طريق ابن إسحاق ونقل بعضه الصالحي في سبل الهدى ٢ / ٣١١ ـ ٣١٦.
(١) هو : الليثي ، وجندع : بطن من ليث. الأنساب ٣ / ٣٤٦.
(٢) النمط : وعاء كالسفط.