الله عنها ـ إليّ رسلها في طلبي ، ورجعوا إليها ، فلم أزل كذلك حتى كاد النهار يتحوّل ، ثم انصرفت فجئت خديجة ـ رضي الله عنها ـ / فجلست إلى فخذيها مضيفا (١) ، فقالت : يا أبا القاسم ، أنّى كنت؟ والله لقد بعثت في طلبك رسلي! قال صلّى الله عليه وسلم : قلت : إنّ الأبعد لشاعر أو مجنون. فقالت ـ رضي الله عنها ـ : معاذ الله يا ابن عمّ ، ما كان الله ليفعل بك إلّا خيرا ، لعلّك رأيت شيئا أو سمعت؟ فأخبرها الخبر ، فقالت : يا ابن عمّ ، والذي يحلف به ، إني لأرجو أن تكون نبيّ هذه الأمة ، ثم جمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل ، وكان يقرأ الكتب ، فأخبرته الخبر ، وقصّت عليه ما قصّ عليها النبي صلّى الله عليه وسلم فقال ورقة : والذي نفسي بيده ، لأن كنت صدقتني انه لنبيّ هذه الأمة ، إنه ليأتيه الناموس (٢) الأكبر الذي يأتي موسى ، فقولي له : فليثبت. قال : فرجعت ـ رضي الله عنها ـ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر ، فاستكمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم جواره بحراء ، ثم نزل فبدأ بالبيت ، فطاف به فلقيه ورقة بن نوفل ، فقال : يا ابن أخي أخبرني بالذي رأيت ، فقصّ عليه خبره ، فقال : والذي نفسي بيده انه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، وإنك لنبيّ هذه الأمة ، ولتؤذينّ ، ولتخرجنّ ، ولتقاتلنّ ولتنصرنّ ، ولئن أدركت ذلك لأنصرنّك نصرا يعلمه الله مني حقا ، ثم دنا ، فقبّل شواته ـ يعني : وسط رأسه ـ ثم انصرف. فقال ورقة بن نوفل في ذلك (٣) :
__________________
(١) أي ملتصقا.
(٢) أي : صاحب السر ، وهو جبريل (عليه السلام).
(٣) أنظر سيرة ابن هشام ١ / ٢٠٣.