منه عن غيره لوجود الجنس فى ضمن ذلك الفرد ، وإلا لزم عدم الاختصاص حينئذ ، والفرق بين إفادة لام الجنس لعموم الأفراد ، وإفادتها بواسطة حصر ما هى فيه لعموم نفى الأفراد عن الغير ظاهر ، وهو أن الوجه الأول فيه إشارة باللام إلى الحقيقة فى ضمن كل فرد بمعونة القرائن كقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(١) والثانى إنما فيه الإشارة إلى الجنس فى ضمن فرد واحد لكن لما أفاد التعريف والتقديم الاختصاص استلزم انتفاء عامة أفراد الجنس عن غير المختص فمن قال هنا بالعموم أراد حصر أفراد الجنس فى المختص لاقتضاء الاختصاص المستفاد من التعريف نفيها عن غيره ، ومن قال بالجنسية أراد أنها للإشارة إلى الجنس فى ضمن فرد واحد ، والمآل فى الاختصاص واحد ، والحصر على المذهب السنى ظاهر ؛ لأن الحمد إما مستحق بالذات أو بالفعل.
وأما على المذهب الاعتزالى فلأن غير المستحق بالذات هذا المحمود هو الذى مكن من أسبابه ، وهو خالق تلك القوى فعاد الكل إليه ذاتا وفعلا ، ولهذا صح من الزمخشرى ارتكابه مفاد الحصر فى هذا المقام مع كونه اعتزاليا ممن يقول بخلق الأفعال ـ أذل الله بدعته ومحاها أبدا.
ثم إن إفادة الجملة لإنشاء الحمد الذى هو المقصود منها إما أنها نقلت من مادة الإخبار إلى الإنشاء عرفا كما نقلت ألفاظ العقود كبعت وأعتقت من الخبر إلى الإنشاء ، وإما لأن المراد بالحمد المحمود به ، فتتضمن الجملة ثبوت اتصاف المحمود بجميع ما يحمده به فيصح الثناء بمضمون الجملة ، ويصح أن يراد بالحمد معناه ويفيد هذا المعنى بطريق اللزوم أيضا إذ يصير التقدير حينئذ ، والثناء بكل وصف جميل يستحقه الله تعالى ، وإذا استحق أن يثنى عليه بكل جميل فقد أثنى عليه ذاكر الجملة بأنه قد استحق أن يتصف بكل جميل وقدم ذكر لفظ الحمد على لفظ الجلالة ، ولو كان الوصف بالجميل لا يستفاد إلا من مجموع الجزأين مع كون الجلالة أهم لشرف ذاتها ؛ لأن لفظ الحمد أنسب لمقام الثناء مع كونه عبارة عن وصف مصدوق الجلالة فليس غيرها كما أنه ليس عينها فى المصدوق والأهمية النسبية ، ولو بالعروض تقدم فى باب البلاغة على الأهمية
__________________
(١) العصر : ٢.