الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(١) فإن الدعاء إلى الخير أعم من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وفيه شيء فإن الجملة فى معنى النكرة ، فغاية ما يتحقق منها مطلق الدعاء إلى الخير وأيضا الدعاء إلى الخير محصور فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. فأين العموم إلا أن يكون باعتبار كل منهما على الانفراد ، وهو خلاف ظاهر كلامه فليتأمل.
الوجه الثالث : التكرير لنكتة
(وإما بالتكرير) أى : الإطناب إما بالإيضاح بعد الإبهام وإما بكذا وإما بتكرار المذكور (لنكتة) وإنما قال لنكتة ؛ لأن التكرار متى كان لغير نكتة كان تطويلا ، فلظهور التطويل فى عدم النكتة فى التكرار نبه عليها فيه ؛ فالإيضاح بعد الإبهام وذكر الخاص بعد العام ، لا بد فى كل منهما من نكتة ، ثم مثل للنكتة الموجودة فى التكرار بقوله (كتأكيد الإنذار فى) قوله تعالى : ((كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)) (٢) فكلا للردع والزجر ، وهى هنا للردع والزجر عن الانهماك فى الدنيا وللتنبيه على الخطأ فى الشغل بها عن الآخرة وقوله : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) إنذار وتخويف أى : ستعلمون ما أنتم عليه من الخطأ إذا عاينتم ما أمامكم من لقاء الله تعالى ، وأهوال المحشر. وتكراره بالعطف إنما هو لتأكيد هذا الإنذار المناسب لتأكيده ، إذ لعل الانزجار والشغل بالآخرة الدائمة يقع به قبل الفوات.
(وفى) العطف ب (ثم دلالة على أن الإنذار الثانى) الذى اعتبره المتكلم أوكد ، وهو فى رعايته وقصده (أبلغ) كما يقول القائل : أقول لك لا تفعل ثم تتقوى قريحته على النهى بأبلغ من الأول فيقول : ثم أقول لك لا تفعل ، وبيان ذلك أن أصل ثم إفادة التراخى ، والبعد الزمانى وقد استعير للتراخى ، والبعد المعنوى. بمعنى أن المعطوف قد تكون مرتبته أعلى أو أدنى مما قبله ، فتستعمل فيه تنزيلا للتفاوت فى الرتبة منزلة التفاوت فى الزمان ، كما تقول فى الأول مثلا أحب زيدا ثم أحب عمرا تعنى بما هو
__________________
(١) آل عمران : ١٠٤.
(٢) التكاثر : ٣ ، ٤.