وآخرا وكأنه روعى أنه أكثر ما يقع فى تراكيب البلغاء. ولا يخفى جريان الأسرار السابقة فى هذا التوشيع من تقدير علمين فأكثر ، والتمكين فى النفس ، وكمال لذة العلم فليفهم.
الوجه الثانى : ذكر الخاص بعد العام
(وإما بذكر الخاص بعد العام) عطف على قوله إما بالإيضاح أى : الإطناب إما بالإيضاح بعد الإبهام ، وإما بذكر الخاص بعد العام يعنى على سبيل العطف وإنما يذكر الخاص بعد العام على سبيل العطف (للتنبيه على فضله) أى : فضل الخاص المذكور بعد العام ؛ لأن ذكره منفردا بعد دخوله فيما قبله إنما يكون لمزية فيه (حتى كأنه ليس من جنسه) أى : ليس من جنس العام (تنزيلا) أى : إنما جعل كالمغاير للعام (ل) تنزيل (التغاير فى الأوصاف) الكائنة فى الخاص ، وبها حصلت المزية (منزلة التغاير فى الذات) بمعنى أنه لما امتاز عن سائر أفراد العام ، بما له من الأوصاف الشريفة أو الرذيلة صار كأنه شيء آخر مغاير لأفراد العام بحيث لا يشمله ذلك العام ، ولا يعلم حكمه منه وبذلك صح ذكره على سبيل العطف المقتضى للتغاير ، وقيدنا ذكره بكونه على سبيل العطف ؛ لأنه هو المفتقر لما علل به من اعتبار التغاير ، وأما ذكره على سبيل البدلية أو غيرها مما ليس بعطف ، فلا يفتقر إلى ذلك ؛ لأنه متصل بما قبله على نية طرح الأول أولا ، فكيف يعتبر فيه ما يوجب كونه جنسا آخر.
ثم مثل لذكر الخاص بعد العام على الوجه المذكور فقال : (نحو) قوله تعالى : ((حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)) (١) أى : الفضلى من قولهم هو أوسط القوم أى : أفضلهم وهى صلاة العصر عند الأكثر. وقيل الصبح ، هذا إذا ذكر عام ثم ذكر فرد منه كما فى المثال وأما إذا ذكر ما يتناول المعطوف بالبدلية كأن يقال جاءنى رجل وزيد أو رجال وزيد وعمرو وخالد ، فهل يكون من هذا الباب أو لا فيه نظر وقد مثل ابن مالك لذكر الخاص بعد العام بقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
__________________
(١) البقرة : ٢٣٨.