والإبهام متعلق بفاعل نعم فقد انفكت الجهة. وإن شئت قلت لأن الإيجاز بحذف المبتدأ والإطناب. بذكر الخبر بعد ذكر ما يعمه ، فقد انفكت الجهة أيضا ، وهذا المقرر فى باب نعم وهو أنه من الإيضاح بعد الإبهام ظاهر ، إن كان المعنى على أن الممدوح الجنس من أجل المخصوص فقد أبهم.
ثم ذكر وإن كان على أن الممدوح جميع أفراد الجنس الذين منهم المخصوص فالمتبادر خرطه فى سلك ذكر الخاص بعد العام بغير عطف ، والمعنى الأول أقرب بل أوجب ؛ لأن الثانى لا يخلو عن مراعاة معنى الأول وكذا يظهر فيه الإيضاح بعد الإبهام إذا أريد باسم الجنس واحد من ذلك الجنس هو المخصوص كما قيل.
التوشيع
(ومنه) أى : ومن الإيضاح بعد الإبهام (التوشيع) أى : ما يسمى بالتوشيع ، وهو فى اللغة لف القطن المندوف. وشبه تثنية الاسم أو جمعه بندف القطن من جهة عدم كمال الانتفاع ؛ لأن التثنية والجمع فيهما من الإبهام ما يمنع النفع بالفهم أو يقلله ، وشبه البيان بعدهما بلفه لكمال الانتفاع بلفه فى لحاف أو غيره. والبيان لتثنية أو لجمع يكمل به الانتفاع فيهما ، فعلى هذا لا قلب فى التوشيع اصطلاحا وهو كما أشرنا إليه (أن يؤتى فى عجز الكلام) وينبغى أن يزاد أو فى أوله أو فى وسطه (بمثنى) أو مجموع (مفسر) ذلك المثنى (باسمين) أو ذلك الجمع بأسماء (ثانيهما) أى : ثانى الاسمين فى المثنى (معطوف) والزائد على الأول فى الجمع معطوف.
ثم مثل للتوشيع فى المثنى بقوله (نحو يشيب ابن آدم وتشب معه خصلتان الحرص وطول الأمل) (١) فقوله صلىاللهعليهوسلم الحرص ، وطول الأمل ، بيان للمثنى الذى هو الخصلتان وقيل : إن فى التوشيع الاصطلاحى قلبا ؛ لأنه ندف ملفوف لا لف مندوف ؛ لأن المثنى هو الملفوف ومثال الجمع أن يقال : إن فى فلان ثلاث خصال رفيعة : الكرم ، والشجاعة ، والحلم. وتخصيص التوشيع بعجز الكلام اصطلاح لم يظهر له وجه ، ولذلك قلنا ينبغى إلى آخره ؛ لأن الإيضاح بعد الإبهام حاصل بما ذكر أولا ووسطا
__________________
(١) أخرجه البخاري (٦٤٢١) ، ومسلم (١٠٤٧).