باختلاف الأسباب هو ترتب تلك الصور ووضوحها باعتبار الخيالات ، وفسر الترتب بارتباط الصور فى الخيال بحيث لا تنفك ، فإذا كانت فى خيال كذلك فربما كانت فى خيال آخر لا تجتمع أصلا ، وفسر الوضوح بأن لا تغيب عن الخيال كصور المحبوبين فى خيال المحبين ، فإذا كانت كذلك فى خيال فربما كانت فى آخر ، لعدم وجود سبب حضورها مما لا يحضر أصلا والأولى أن يفسر الترتب بما أشرنا إليه بأن يكون حضورها فى خيال على وجه لا يكون فى آخر ، كذلك وإنما قلنا ذلك لأن الصور المقترنة فى الخيال بعد فرض تقارنها لا تنفك فى ذلك الخيال ، فوضوحها فى خيال يقتضى عدم انفكاكها فيه ، فلا يكون لاختلاف التفسير فائدة لصحة أن يفسر كل منهما بما ذكر للآخر ، ولو كان الوضوح أعم من عدم الانفكاك إن أريد الوضوح فى متحد بحيث لا يفرض فيه الانفكاك ، ولكن ليس كلامنا فيه لأن الكلام فى تعدد الصور ليعطف بعضها على بعض ، بخلاف ما إذا حمل الترتب على الحضور على وجه مخصوص ، فقد تشترك الخيالات فى وضوح تلك الصور فيها لكن ترتبها فى بعضها خلاف ترتبها فى غير ذلك البعض ، فاختلف الترتب مع الوضوح بهذا الاعتبار ، ولو كان يمكن على بعد أن يراد بالوضوح الوضوح المخصوص بذلك الخيال فينبغى عن ذكر الترتب أيضا بأنها بذلك الترتب لم تتضح فتقول فى بيان ما ذكر على ما حملنا عليه كلامهم ذكر الإبل فى الآية الشريفة أولا ثم السماء ثم الجبال ثم الأرض فى غاية المناسبة لوجود الجامع الاقترانى على وجهه كما أشرنا إليه آنفا ولو وقع العطف فى غير القرآن بذكر الأرض أولا ثم الجبال ثم السماء ثم الإبل لم يحسن ؛ لأن تلك الصور لم تقترن فى خيالات أصحابها على ذلك الوجه ، فلم تتضح فيها كذلك وإنما فسرنا الثابتة فى الخيال بالتى من شأنها أن تثبت ليعم الاختلاف كل جملة بل كل فرد من أفراد الصور ، وأما لو فسر ذلك بالثبوت الفعلى لم يتأت الاختلاف إلا بتعدد المقترنات الواقعة فى الخيال كما لا يخفى ثم أكد الوصية على الجامع وعلى معرفته ، فقال (ولصاحب علم المعانى فضل احتياج) أى حاجة أكيدة (إلى معرفة الجامع) وذلك لأن علم المعانى معياره باب الفصل والوصل ، بمعنى أن من أدركه كما ينبغى لم يصعب عليه شيء من سائر الأبواب ، بخلاف العكس ولذلك يقال فيه